آخر تحديث :الإثنين-08 ديسمبر 2025-02:49ص
أخبار وتقارير

بحّاح يُفجّر أكبر شهادة سياسية منذ الحرب: أسرار الغاز.. سقوط صنعاء.. كواليس هادي.. والانقسام الخليجي الذي نسف الدولة والشرعية

الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 06:16 م بتوقيت عدن
بحّاح يُفجّر أكبر شهادة سياسية منذ الحرب: أسرار الغاز.. سقوط صنعاء.. كواليس هادي.. والانقسام الخليجي الذي نسف الدولة والشرعية

في شهادة هي الأوسع والأكثر تفصيلاً منذ اندلاع الحرب في اليمن، كشف رئيس الوزراء الأسبق خالد محفوظ بحّاح، خلال حديث مطوّل في بودكاست اليمن مع الإعلامي أسامة عادل، سلسلة من الأسرار غير المسبوقة التي تمتد من صفقة الغاز مع كوريا الجنوبية، مرورًا بـ سقوط صنعاء وسيطرة الحوثيين، وصولاً إلى تفكك الشرعية، والانقسام الخليجي، وفشل إدارة الدولة بعد 2015.

شهادة بحّاح لم تكن رواية سياسية تقليدية، بل أقرب إلى وثيقة تاريخية تكشف ما دار في الغرف المغلقة، وما ظل لسنوات في الظل.


بدأ بحّاح حديثه من ملف الغاز اليمني المسال، مؤكدًا أن ما تم الترويج له حول “بيع الغاز بثمن بخس” لم يكن صحيحًا، وأن السعر المعلن يومها كان مطابقًا لسعر السوق العالمية. وأضاف أن الاتفاقية لم تكن مُلزمة لمدة 20 سنة كما ادعى البعض، بل كانت تنص على أن من حق الشركة اليمنية تعديل الأسعار بعد ثلاث سنوات، وهو ما حدث بالفعل حين رُفع السعر وفق السوق الدولية. وأوضح أن هذه الحقائق تظهر لأول مرة وتنسف السجالات السياسية التي رافقت الملف لسنوات.


ثم انتقل إلى لحظة سقوط صنعاء، مؤكداً أن الحوثيين لم يكونوا يبحثون عن شراكة سياسية، بل عن السيطرة الكاملة على الدولة ومؤسساتها. قال إن البريطانيين كانوا “الدولة الأجنبية الأكثر فاعلية” في متابعة الملف اليمني تلك الأيام، وإن الدبلوماسية اليمنية حاولت جاهدة إيصال صورة ما يجري للمجتمع الدولي الذي كان في حالة ارتباك.


يروي بحّاح تفاصيل الليلة التي تكليفه فيها بتشكيل الحكومة:

“كنت داخل الحمّام عندما رنّ الهاتف. زوجتي نادتني وقالت هناك خبر هام. خرجت لأرى القرار على شاشة التلفزيون. كنت في منزلي بنيويورك، أغلقت الهاتف وخرجت أمشي ثلاث ساعات قبل أن أقرر ماذا أفعل”.

عاد إلى صنعاء، وأدى اليمين الدستورية، وكانت أول شخصية حوثية يتعامل معها هي صالح الصماد، الذي وصفه بأنه “الأفضل بين قيادات الحوثيين”.


واجه تحديات كبيرة في تشكيل الحكومة، إذ حاول الحوثيون فرض أسماء، والسيطرة على الجهاز التنفيذي، بل طالب الصماد بتعيين محمد علي الحوثي وكيلاً للرقابة والمحاسبة. تلقى بحاح تهديدات مباشرة من قيادات حوثية بينها علي العماد وآخرون. وبينما كانت الحكومة تتشكل، كان الحوثيون يتوسعون عسكريًا نحو الحديدة ومحافظات أخرى، وصولاً إلى الأيام التي سبقت 19 يناير 2015 حين أطاحوا بما تبقى من الدولة.


يروي بحّاح أن قيادات الدولة اتفقت على إعادة الانتشار العسكري لحماية العاصمة، لكن الحوثيين سبقوا الجميع بالسيطرة على مقر رئاسة الجمهورية ومهاجمة منزل الرئيس هادي. حاول بحّاح الوصول إلى منزل هادي لكنه تعرض لإطلاق نار، فعاد إلى بيته، وفي اليوم التالي جاءه مهدي المشاط وعبدالقادر علي هلال لتقديم "تحكيم قبلي". لكنه دخل في اعتكاف احتجاجي بمنزله.


وفي اعتكافه بدأ فصل جديد:

“جاؤوا إلى منزلي لمحاولة إقناعي أن أكون رئيسًا لليمن. تحدثوا بلهجة صلفة، وقالوا إنه يجب أن أزور صعدة للقاء عبد الملك الحوثي، فرفضت. قالوا يمكننا نقلك بالقوة فقط”.

فرض الحوثيون طوقًا مشددًا حول منزله، وبلغ الأمر أنهم كانوا يجبرونه على الظهور لهم كل مساء للتأكد أنه لم يغادر. كان هلال قد عقد صفقة معهم بعد خروج هادي إلى عدن، لكن الحوثيين شددوا القيود لاحقًا.

غادر بحّاح إلى حضرموت، حيث التقى أمه لأول مرة منذ سنوات.


حين خرج هادي إلى عدن، أدرك بحّاح—بحسب قوله—أن الرجل لن يقدم نموذجًا إيجابيًا، وأن قدرته على الإدارة كانت محدودة مقارنة بصالح الذي “كان يفهم خارطة اليمن وقادرًا على إدارة ثلاثة جيوش في وقت واحد: الجيش التقليدي، الحرس الجمهوري، والجيش الذي كان يقوده علي محسن”. ويقول إن صالح أحاط نفسه بشخصيات رصينة كانت تقوم بفلترة قراراته، بينما لم يمتلك هادي مثل هذه المنظومة.


سافر بحّاح من مطار الريان إلى دبي ثم نيويورك، وهناك فوجئ بانطلاق عملية عاصفة الحزم.

“لم نكن نتوقع أن تخوض دول الخليج حربًا مباشرة ضد الحوثيين. القرار كان مفاجئًا للجميع”.

عاد لاحقًا إلى الرياض، ووجد هادي في حالة صحية صعبة، بينما كان الضغط الخليجي يتجه نحو إعادة تشغيل الحكومة.


يكشف بحّاح أن وزير الخارجية القطري خالد العطية ومسؤولين سعوديين زاروه في 2015 لعرض منصب نائب الرئيس ورئيس الحكومة عليه، وقبل المنصب، لكنه فوجئ قبل أداء اليمين بسقوط المكلا بيد القاعدة.

يؤكد أن التحالف العربي كان يعتقد أن الحرب ستستمر “أسابيع فقط”، وأن هذا الاعتقاد الخاطئ شكّل أساس قرارات كثيرة لاحقًا، وأن الشرعية بدأت الحرب بقدرة اتخاذ قرار لكنها سرعان ما فقدت صلاحياتها تدريجيًا.


يقول إن قطر والسعودية كانتا اللاعبان الأكثر تأثيرًا في القرار السياسي، بينما كان الدور الإماراتي عمليًا وميدانيًا في عدن. ويعترف بأن الشرعية أخطأت في التواصل مع سلطنة عمان ما جعلها تبتعد عن الملف اليمني.


لاحقًا بدأت الشرعية تعاني اختلالات داخلية، ودخلت المكونات الوطنية التي تشكلها في حالة صراع مصالح أطال أمد الحرب. ويضيف:

“حتى دول الخليج نفسها دخلت في خلافات انعكست مباشرة على الملف اليمني”.

ويكشف أن هادي لم يكن حاضرًا خلال الأشهر التي تلت وصوله الرياض، وأن مجموعة انتهازية أحاطت به وحولت الشرعية إلى أداة للتكسب.


أما عن محاولة اغتياله في تفجير فندق القصر في 6 أكتوبر 2015، فيؤكد أنها لم تكن عملية عشوائية:

“كانت وراءها القاعدة السياسية، وليست القاعدة الإرهابية. تنظيم القاعدة كان مجرد أداة. أما الجهات التي موّلت ودعمت العملية فهي أطراف سياسية يمنية”.

ويروي أن نجل الشيخ محمد بن زايد، ذياب، كان في الفندق وقت التفجير، مشيدًا بالدور الإماراتي الذي وصفه بأنه “احترافي وفعّال” في تحرير عدن والمكلا لاحقًا.

أما معركة المكلا، فيشبهها بحرف 1994، حيث تُرك منفذ للانسحاب، وهو ما حدث لتنظيم القاعدة.


يقول إن قرار إقالته من منصب نائب الرئيس ورئيس الحكومة كان نتيجة معارضته لقرارات هادي المتعلقة بتشكيل القوات العسكرية في عدن بعد التحرير.


ويختتم بحّاح شهادته بالإشارة إلى أن اليمن فقدت سيادتها تدريجيًا:

في 2011 كان الإقليم يتحكم بـ 30٪ من القرار،

وفي 2015 أصبحت السيادة اليمنية منزوعة بالكامل لصالح دول إقليمية ودولية.

ويؤكد أن ما جرى بعد ذلك لم يكن سوى نتيجة طبيعية لانهيار منظومة الدولة، وغياب القيادة الرشيدة، وتضارب مشاريع الداخل والخارج.


غرفة الأخبار / عدن الغد