مقدمة:
من قلب التحدي.. تنبعث روح أبين.
إذا هبت رياح التحدي، نهض من يحملون مشعل العلم والمعرفة. من قلب الحقول في محافظة أبين، حيث تراكمت آثار الحرب والإهمال، تأتي قصة خبراء رفضوا أن تموت أرض كانت يوماً سلة غذاء اليمن.
سلة الغذاء على حافة الانهيار.
تُعرف منطقة دلتا أبين في محافظة أبين اليمنية بأنها السلة الغذائية لليمن،نظراً لخصوبة أراضيها وإنتاجها الزراعي المتنوع. إلا أن هذه المنطقة الاستراتيجية تواجه عدة تحديات جوهرية تهدد أمنها الغذائي. ومن قلب الحقول في محافظة أبين، حيث تراكمت آثار الحرب والإهمال، تأتي قصة خبراء رفضوا أن تموت أرض كانت يوماً سلة غذاء اليمن.
انتفاضة الخبراء: عندما ترفض الخبرة التقاعد والاهمال الحكومي مستمر.
ففي ظل الأزمات المتراكمة التي عصفت بدلتا أبين خلال السنين الماضية برز بصيص أمل جديد حمله نخبة من خبراء الزراعة والباحثين المتقاعدين الذين هبّوا لاستعادة الدور العلمي والبحثي وتسخير خبراتهم في دعم القطاع الزراعي بعد ان وصلت الزراعة في دلتا أبين إلى حافة الانهيار نتيجة تداعيات الحرب والظروف المناخية المتطرفة ناهيك عن الإهمال الحكومي الذي طال أمده.
خروج هؤلاء الخبراء والباحثون المتقاعدون لم يكن معد مسبقا.. بل كان انتفاضة علمية مخلصة أتت في وقتها فور إدراكهم حجم الانهيار والتراجع الذي أصاب البنية الزراعية ... نعم لقد كان مشهد لم يعتده المزارعون منذ سنوات .. باحثون متقاعدون يتفقدون الحقول ويحاورون المزارعين...!!!؟
منظار الخبرة.. يكشف جراح الأرض.
الدكتور مصطفى عبدالستار أحد الخبراء الكبار، يبين لنا تداعيات هبتهم الوطنية النبيلة قائلًا، "عندما رأينا حجم التراجع الذي وصلت إليه الزراعة، لم نستطع الصمت. خبراتنا قد تكون أكبر سلاح لمواجهة هذه التحديات. جئنا لنقول للمزارع: لست وحدك، نحن هنا لنعيد معاً مجد هذه الأرض، مناشدا الحكومة لتوظيف الشباب في معامل ومحطات الابحاث والإرشاد الزراعي ليحلوا محل الخبراء الزراعيين الذين تقاعدوا ولا يتوفر بديل عنهم ".
شراكة غير مسبوقة.. .
المهندس الزراعي عبدالقادر السميطي لفت إلى أنه من دون أي دعم رسمي ولدت شراكة غير مسبوقة تعكس روح المسؤولية جمعت بين الخبراء المتقاعدين والمزارعين والمرشدين الزراعيين،أثمرت بإعداد برامج مشتركة تعتمد على التدريب الميداني المباشر وتوعية المزارعين وتعزيز قدراتهم وبناء شراكات مستدامة بين المزارعين ومركز البحوث لضمان انتقال المعرفة.
صوت المزارع: "لأول مرة.. هناك من يسمعنا".
المزارع الحقلي الشاب عبدالرحمن رشاد عبر عن سعادته بهذا التدريب الميداني المباشر قائلًا" لأول مرة منذ سنوات، أشعر كمزارع أن هناك من يسمعنا ويفهم مشاكلنا. اليوم تعلمت كيف أتعرف على الآفات مبكراً، وكيف أتعامل مع نقص المياه. هذه المعرفة أثمن من أي شيء".
رهان المستقبل: صناعة قيادات زراعية شابة.
ولضمان استمرار هذه النهضة،تتجه أنظار الباحثون والخبراء الزراعيون المتقاعدون نحو استهداف الشباب لصناعة جيل زراعي قادر على مواجهة التحديات وطرق التعامل معها .. حيث يراهن الخبير المهندس سامي جواد همشري على الشباب، كونهم الأكثر تقبلاً للتغيير والأقدر على مواكبة المستجدات _ حسب وصفه _ مشيرًا ان برنامجهم لا يركز على المعرفة فحسب، بل على بناء قيادات زراعية شابة تستطيع قيادة دفة القطاع في المستقبل.
محطات الأمل: برامج بحثية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ولم تكن الجهود الميدانية وحدها،فقد أعلنت محطة البحوث الزراعية عن انطلاق برنامج بحثي طموح يستهدف تنقية وتحسين أصناف الحبوب المحلية ودعم انتشار محاصيل استراتيجية للحد من استيراد المحاصيل التي يمكن انتاجها محليا بكفاءة".
نائب رئيس الهيئة العامة للبحوث والارشاد الزراعي _ مدير عام محطة البحوث الزراعية الدكتور محمد الخاشعة أوضح أن محطة الأبحاث تركز حالياً على تحسين الأصناف المحلية من الحبوب والتوسع في زراعة الذرة وأن هدفهم يسموا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في محاصيل استراتيجية كالسمسم والفول السوداني.
التحدي الأكبر: معركة دلتا أبين مع سوء إدارة موارد مياه السيول.
وأكد الخبير الدكتور خضر بلم عطروش المدير العام السابق لمكتب الزراعة بالمحافظة ن منطقة دلتا أبين في محافظة أبين اليمنية تعرف بأنها السلة الغذائية لليمن، نظراً لخصوبة أراضيها وإنتاجها الزراعي المتنوع. إلا أن هذه المنطقة الاستراتيجية تواجه تحديات جوهرية تهدد أمنها الغذائي، أبرزها إدارة الموارد المائية.
نظام هيدرولوجي هش.. وسيول تضيع في البحر.
واستعرض الخبير عطروش قائلًا: تخضع دلتا أبين لنظام هيدرولوجي محدد، حيث تتدفق إليها مياه السيول خلال موسمين رئيسيين فقط:
موسم الصيف: من منتصف مارس حتى نهاية أبريل، وقد يمتد في حال هطول أمطار غزيرة حتى منتصف مايو.
موسم الخريف: يبدأ من منتصف يوليو أو أوائل أغسطس، وينتهي في منتصف أو نهاية سبتمبر.
وأشار أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية استقبال مياه السيول عند تدفقها، وتوزيعها بشكل عادل، ومنع ضياعها في البحر. وتتطلب هذه المهمة منظومة ري متكاملة تشمل آليات ومعدات حديثة، ومشرفين، وعمالة، وميزانية تشغيلية دائمة. وهذا يتطلب تدخل حكومي سخي بشكل عاجل لتعم المنفعة على الوطن ككل وليس دلتا أبين فقط.
احتكار المياه.. وتحويل الأرض إلى بور.
وأضاف،أنه في هذا الإطار، تشهد المنطقة إشكالية كبيرة تتمثل في سيطرة مزارعي الموز في منطقتي باتيس وحلمة على تدفقات السيول، ما يحرم بقية المناطق في الدلتا من حصتها المائية. وقد أدت هذه الممارسة _ بحسب قوله _ إلى تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى أراضٍ بور، غزتها أشجار السيسبان.
إحياء الذاكرة: حين كانت دلتا أبين تدر الملايين.
وأردف، يشهد الوضع الزراعي الحالي في دلتا أبين تراجعاً ملحوظاً، مما يستدعي – وفقاً لرؤيته كخبير ومختص– إعادة تفعيل هيئة تطوير دلتا أبين أو لجنة أبين التي كانت تمثل منظومة متكاملة تشمل الري والهندسة والزراعة والوقاية.
ويستدل عطروش على إمكانات هيئة تطوير الدلتا ولجنة أبين الهائلة بالإنجازات التي حققتها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي،حيث كانت عائدات إنتاج القطن وحده تتراوح قيمتها بين 2.5 إلى 3 ملايين جنيه إسترليني، مما كان يجعله محصولا نقدياً مهماً، إضافة إلى محاصيل الحبوب والقرعيات والسمسم وغيرها.
الأمل يعود إلى الحقول.. والعلم نور.
الباحثة الدكتورة مها هبدالله ناجي رئيس قسم المحاصيل بمحطة الابحاث بالكود ترى من وجهة نظرها أن هذا الحراك العلمي التطوعي يؤكد أن روح ومستقبل الزراعة في أبين لم تُكسر...وتوجه رسالة من الحقول تقول: لا يزال الأمل ينبض هنا. وان المحافظة قادرة على النهوض مجددا، وأن الزراعة ليست مجرد مهنة بل هوية الأرض وروح الإنسان في أبين التي طالما كانت سلة غذاء اليمن.
المزارع الحاج نصر زين الشبحي مبتهجا يقول"هؤلاء العلماء أعادوا لنا الأمل.عندما تراهم يتجولون في الحقول ويتحملون المشقة معنا، تعلم أن المستقبل سيكون أفضل. العلم نور، ونحن اليوم تعلمنا ما كنا نجهله ونحتاج إلى كل بصيص نور".
خاتمة: أبين.. حيث تلتقي حكمة الخبرة برغبة الشباب.
ختاما .. من أبين،حيث هب خبراء وباحثون متقاعدون من منطلق روح المسؤولية لدعم القطاع الزراعي، تلتقي حكمة الخبرة برغبة الشباب لتؤكد أن الأرض قادرة على العطاء مرة أخرى.

( اسماء الشخصيات المرفقة صورها بالترتيب)
1- الباحثة الدكتورة مها عبدالله ناجي
رئيس قسم المحاصيل بمحطة الابحاث والإرشاد الزراعي بالكود
2- المزارع الحاج نصر زين الشبحي
3- المزارع الشاب عبدالرحمن رشاد
4-الخبير المهندس سامي جواد همشري
5-الدكتور مصطفى عبدالستار أحد الخبراء الكبار
6-المهندس الزراعي عبدالقادر السميطي
7-مدير عام مكتب الزراعة بأبين السابق الخبير الدكتور خضر بلم عطروش
8-نائب رئيس الهيئة العامة للبحوث والارشاد الزراعي _ مدير عام محطة البحوث الزراعية الدكتور محمد الخاشعة










