آخر تحديث :الثلاثاء-25 نوفمبر 2025-07:45م
أخبار المحافظات

"أزِل الرماد لترى المرأة!".. منقذات من النزوح والابتزاز يصنعن "سوق العزيمة" في مأرب

الثلاثاء - 25 نوفمبر 2025 - 06:11 م بتوقيت عدن
"أزِل الرماد لترى المرأة!".. منقذات من النزوح والابتزاز يصنعن "سوق العزيمة" في مأرب
مأرب((عدن الغد))أحمد حوذان

البازار السادس يكشف عن جيل من النساء حوّل القصص المؤلمة إلى منتجات تكسر الحواجز الاجتماعية والرقمية.


​أحمد حوذان، مأرب - عدن الغد

​في زاوية منسية من خريطة الأزمة اليمنية، وتحديداً في مدينة مأرب، حيث لا يزال صوت النزوح يصدح عالياً، انطلق ما يمكن وصفه بـ "مختبر تحويل الألم". إنها فعالية "بازار الوصول الإنساني"، الذي ليس مجرد سوق مؤقت، بل ملحمة نسائية تتجسد فيها قصص ناجيات خرجن من تحت رماد الحرب والإساءة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA).

​كانت أروقة السوق مسرحاً صغيراً يعرض شهادات حياة؛ خياطةٌ مُتقنة على ملابس تخفي وراءها سنوات من فقدان المعيل، عطورٌ قوية الرائحة صنعتها أيادٍ تحدّت التهميش، ومنتجاتٌ طعام تحكي فصولاً من كفاح أمهات لإطعام أطفالهن الخمسة.


​نجوم صعدوا من العتمة:


​أم صدام: النقش على الجدران المنهارة

​"أم صدام"، النازحة من المحويت، هي دليل حي على أن الموهبة لا تموت تحت الركام. بعد أن كادت تفقد الأمل، أعادت المساحة الآمنة إحياء مهارتها القديمة في النقش على الزجاج والخشب.


​تقول في حوار لعدن الغد "العمل ليس عيبًا… والمرأة قادرة إذا وجدت من يدعمها." لقد حولت "أم صدام" مساحتها الشخصية من مأساة إلى مصدر دخل مستقر، مُقدمةً نموذجاً للجيل الجديد بأن الاستقلال الاقتصادي هو أسمى أشكال الكرامة.



​ أسماء: حارسة الخصوصية الرقمية

​في نقلة نوعية، ظهرت الشابة "أسماء" كـ حارسة للبوابة الرقمية. تحولت هذه الشابة إلى خبيرة في صيانة الهواتف، ليس من أجل المال فقط، بل لأجل الأمان.


​"تعلمت كيفية حماية نفسها والنساء من محاولات الابتزاز الإلكتروني،" تقول لـ عدن الغد. "وأصبحت قادرة على تقديم الخدمة في بيئة آمنة للنساء داخل المجتمع." إنها ثورة ناعمة، حيث أصبحت المرأة هي القوة التقنية التي تمنع تفشي العنف السيبراني.



​الأدوار الخفية... والهمس النفسي


​خلف هذه المنتجات، يعمل طاقم متخصص يبدأ رحلة التمكين من الروح. الأخصائية النفسية بغداد تعمل على تفكيك آثار النزوح والإساءة، مؤكدة: “النجاح الحالي خرج من خلف قصص مؤلمة، لكنه يعكس قدرة النساء على النهوض من جديد.”

​في المقابل، تشير شادية (المدربة) إلى أن أصعب المعارك هي القيود الاجتماعية والرفض الأسري الذي يواجه كثيرًا من النساء، ما يعرقل مشاركتهن ويجعل "بُعد المسافة" أحياناً عذراً لـ المنع الاجتماعي.


​تحدي السلطة: متى يتحول الوعد إلى واقع؟


​الأستاذ عبد الله جابر، مدير المشروع، يؤكد أن هذه المبادرة هي نتاج خمس سنوات من الكفاح المستمر في سبع محافظات. ورغم هذا النجاح الممتد، يواجه المشروع تحديًا قاسياً: "لا توجد أسواق خاصة بالنساء يعرضن فيها منتجاتهن."


​يقول جابر: "المرأة تتدرب وتنتج… لكنها تحتاج مكانًا يعترف بعملها،" محذراً من أن غياب مركز تسويق دائم يكتم أحلام آلاف النساء ويُهدد استدامة مشاريعهن.



​في البازار، زار الوكيل عبد الله الباكري الأركان، وقدم وعداً بحل الفجوة وتوفير مكان رسمي. الكرة الآن في ملعب السلطة المحلية؛ فتنفيذ هذا الوعد سيغير مستقبل آلاف الأسر النازحة.


​صرخة أخيرة: هل المجتمع جاهز لاحتضان نصفه؟


​في ختام جولته، أطلق جابر رسالة حارّة من خلال يمن ديلي، لتكون بمثابة اختبار لوعي المجتمع:


​"المنظمات وحدها لا تكفي. المرأة تحتاج مجتمعًا يحتضنها ويقف بجانبها. هي نصف المجتمع… ومع كل هذه الظروف، هي ما زالت تحاول أن ترفع النصف الآخر."



​هكذا، لم يكن البازار معرض منتجات عابراً، بل مرآة تكشف عظمة الصمود، ونداء عاجل لجميع الأطراف لضمان أن تبقى هذه الـ "ناجيات" مصدر قوة، لا مجرد رقم في قائمة المتضررين.