كتب: فهمي فهد
في زمن تراجعت فيه الأحلام إلى الظل، وتكاثفت الغيوم فوق سماء وطن يبحث عن ضوء، يخرج من بين الركام شاب حمل على كتفيه شغفا لا يهدأ، وإيمانا بأن العتمة، مهما أشتدت، لا تستطيع أن تطفئ ضوء الطموح.
ذلك هو عبدالرحمن سعيد فارع، ابن عدن، المدينة التي تعلم أبناءها كيف يصنعون من الموج طريقا، ومن الملوحة أملا.
من جولدمور – التواهي، حيث بدأت الحكاية عام 1999، خرج شاب آمن بأن المعرفة وحدها تفتح أبوابا لا تفتحها السياسة ولا الموارد. حمل حقيبته نحو المغرب، ليصنع لنفسه مسارا يليق بأحلامه، وليكتب اسمه في سجلّ الشخصيات التي صنعت فرقا خارج حدود وطنها.
في العاصمة المغربية الرباط، تعمّق في العلم، فحصل على بكالوريوس العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة محمد الخامس، ثم تابع الطريق نفسه حتى أصبح أول دفعته في مرحلة الماجستير، قبل أن يواصل مساره نحو الدكتوراه في الدراسات الاستراتيجية والأمنية في الجامعة ذاتها. هناك، برهن أن الحلم لا ينكسر، وأن المجد يصنعه الاجتهاد لا الظروف.
لكن عبدالرحمن لم يكن مجرد طالب علم؛ فقد كان مشروعا فكريا وسياسيا ينمو بهدوء وثبات.
ففي الساحة المغربية، كان أول يمني يظهر على شاشة التلفزيون المغربي، وتمكن من تأسيس المبادرة الدبلوماسية الموازية للعملية السياسية في اليمن، وهي مبادرة أصبحت اليوم صوتا شبابيا حاضرا في النقاشات البحثية والسياسية.
كما برز في المؤسسات الدولية والإعلامية؛ إذ شغل منصب مدير الأخبار السياسية في مؤسسة الحدث الإفريقي، وانضم إلى المركز المغربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، وكان ممثلا لليمن في عدد من المؤتمرات والمحافل الدولية والإقليمية، حاملا اسم بلده بكل مسؤولية ووعي.
ولأن المجتهدين هم الذين يفرضون حضورهم، أطلق عليه كثيرون لقب “السفير فارع”، ليس بصفته منصبا رسميا، بل احتراما لقدرته على تمثيل وطنه بوعي، ولحضوره الذي جعل عدن حاضرة في كل خطوة يخطوها.
اليوم، يتصدّر اسمه عناوين المجلات الدولية بوصفه خبيرا في الدبلوماسية الموازية والسياسة الخارجية، وينظر إليه كأحد أبرز الوجوه الشابة القادرة على المساهمة في صياغة مستقبل اليمن، في ظل الندرة المتزايدة للكوادر السياسية المؤهلة.
فارع ليس مجرد سيرة ذاتية؛ إنه حكاية شغف تروى بلسان كل شاب يمني آمن بأن الانتماء للوطن لا يعني الانتظار، بل المبادرة، والعمل بصمت، والسير رغم التعب، والوقوف حين ينسحب الآخرون.
إلى أولئك الذين غلبهم اليأس يوما…
انظروا إلى هذه القصة.
فالشغف لا يهزم، والوطن لا يزال قادرا على إنجاب أمثال فارع الإنسان قبل فارع الأكاديمي