آخر تحديث :الأحد-09 نوفمبر 2025-10:09م
أخبار وتقارير

مداهمات وقطع طريق واستدراج.. خمس قصص لتربويين من إب غيّبتهم السجون منذ أشهر

الأحد - 09 نوفمبر 2025 - 06:32 م بتوقيت عدن
مداهمات وقطع طريق واستدراج.. خمس قصص لتربويين من إب غيّبتهم السجون منذ أشهر
(عدن الغد)متابعات:

منذ منتصف مايو الماضي وعلى مدى ثلاثة أشهر شنت مليشيا الحوثي الإرهابية حملات خطف واسعة في صفوف نخب وكوادر محافظة إب التي تشهد بشكل دائم انتهاكات حوثية واسعة منذ احتلالها في خريف 2014م.

حملات الاختطاف الحوثية التي اتسمت بمداهمة المنازل وقطع الطرقات واقتحام مقرات العمل واستدراج الضحايا طالت فئات مختلفة من أبناء المحافظة واستهدفت 99 مختطفاً جرى إخفائهم قسراً لاحقاً، غير أن فئة التربويين طالها النصيب الأكبر من تلك الحملة بـ67 حالة إخفاء قسري، أي ما يعادل ثلثي إجمالي الحالات حسب تقرير حديث لمؤسسة النبلاء للحقوق والتنمية.

ووفقاً للمؤسسة فإن العدد الأكبر من هذه الحالات كانت من نصيب المعلمين والتربويين العاملين في مدارس حكومية ومكاتب التربية والتعليم في المديريات المختلفة، وذلك بعدد 62 حالة، بينما سُجلت حالة إخفاء قسري لموجه واحد فقط، وبلغ عدد حالات الإخفاء القسري في أوساط معلمي ووكلاء ومدراء المدارس الأهلية أربع حالات، وهو ما يعكس حملة استهداف ممنهجة لجماعة الحوثي بحق الكوادر التعليمية التي تُعد ركيزة أساسية في الوعي المجتمعي ونقل المعرفة، وتربية الأجيال.

وأشارت المؤسسة في تقريرها المعنون بـ "غياب بلا أثر"، الذي أعلنته في مؤتمر صحفي بمأرب، أمس السبت، أن حالات الاستهداف الموثقة بحق المعلمين والتربويين والموجهين، "تُمثل انتهاكًا لحرية التعليم والفكر التي كفلتها المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، والمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م، والمادة 54 من الدستور اليمني النافذ؛ كون استهداف هذه الفئة هو استهداف للتعليم والمجتمع والأجيال".

وأوردت المؤسسة قصصاً لمعلمين جرى اختطافهم خلال الحملة وتغييبهم دخول سجون المليشيا دون السماح لأسرهم التواصل عنهم أو معرفة أي شيء عنهم منذ ذلك الحين.

الشغدري والواصلي .. مداهمات وإخفاء

أوضحت المؤسسة "أنه في فجر يوم 19 مايو/ أيار 2025م، داهمت مجموعة مسلحة تابعة لجماعة الحوثي منزل التربوي مختار محمد سعيد مقبل الشغدري، البالغ من العمر 48 عامًا، في مديرية ذي السفال بمحافظة إب، وقد اقتحم المسلحون المنزل بعد صلاة الفجر في مشهد بثّ الرعب في أوساط الأسرة، ووجّهوا تهديدات صريحة للمختطف بإيذاء أفراد أسرته إن لم يمتثل لأوامرهم، قبل أن يُجبروه على مرافقتهم تحت تهديد السلاح".

وأضافت: "منذ ذلك اليوم، انقطعت أخبار الشغدري كليًا، ولم تُفلح أسرته في معرفة أي معلومة عن مكان احتجازه أو حالته الصحية رغم مناشداتها المتكررة للجهات الأمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، التي التزمت صمتًا مطبقًا تجاه الحادثة".

ونوهت إلى هذه الواقعة "تعكس نمط الانتهاكات الممنهجة التي تُمارسها جماعة الحوثي بحق التربويين في محافظة إب، في إطار سياسة قمع وترويع تستهدف الكوادر التعليمية، وتتنافى مع القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تحظر الإخفاء القسري والاعتقال خارج إطار القانون".

وفي حادثة مماثلة، ذكرت المؤسسة "أنه في مساء يوم 11 يونيو/ حزيران 2025م، تعرض منزل التربوي محمد أحمد لطف الواصلي (53 عامًا) في مديرية العدين بمحافظة إب لمداهمة عنيفة نفذتها مجموعة مسلحة تابعة لجماعة الحوثي، بعد أن قامت بتطويق المنزل وإحكام السيطرة على مداخله، وحين فتحت زوجة ابن الضحية الباب ظنًّا منها أن الأمر عادي، باغتها المسلحون بمصادرة تلفونها الجوال، ثم اندفعوا إلى داخل المنزل بالقوة دون إبراز أي أمر قضائي أو مبرر قانوني".

وتابعت: "قام المسلحون باعتقال التربوي محمد الواصلي واقتادوه إلى جهة مجهولة، مصطحبين معهم هاتفين يخصانه، في مشهدٍ خلّف حالة من الخوف والارتباك بين أفراد العائلة الذين لم يتلقوا منذ تلك اللحظة أي خبرٍ عن مصيره". مشيرة إلى أنه ورغم مرور الوقت، ما تزال أسرته تجهل مكان احتجازه أو حالته الصحية، وسط صمت مطبق من السلطات الأمنية الخاضعة للجماعة.

ولفتت إلى أن هذه الحادثة تُبرز نمطًا متكررًا من الاستهداف الممنهج للتربويين في محافظة إب، الذين أصبحوا عرضةً للاعتقال والإخفاء القسري بسبب آرائهم أو مواقفهم المدنية، في انتهاكٍ فاضحٍ لحق الإنسان في الحرية والأمان الشخصي.

الفقيه.. اختطاف على طريقة قطاع الطُرق

وفي حالة اختطاف وتغييب أخرى، كشفت المؤسسة أنه "في 10 يونيو/ حزيران 2025م، اعترضت سيارة تقل مسلحين تابعين لجماعة الحوثي طريق التربوي عبد العليم عبد الاله ناجي محمد الفقيه البالغ من العمر 55 عامًا في مديرية السياني، بينما كان يقود سيارته في الطريق العام، حيث قام المسلحون بإنزاله عنوةً من سيارته، في مشهد مثّل صدمة لأبناء المنطقة، ثم اقتادوه بالقوة إلى جهة مجهولة دون أي أمر قضائي أو توجيه تهمة".

وأضافت أنه ومنذ لحظة اختطافه وحتى إعداد هذا التقرير، لم تتلقَّ أسرته أي معلومة حول مكان احتجازه أو وضعه الصحي، رغم محاولاتها المتكررة للبحث عنه لدى الجهات الأمنية الخاضعة للجماعة، والتي قابلت تلك المناشدات بالصمت والتجاهل.

وأشارت إلى أن هذه الواقعة ترقى جريمة إخفاء قسري مكتملة الأركان بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي تحظر احتجاز الأفراد بمعزل عن العالم الخارجي أو حرمان ذويهم من معرفة مصيرهم. وتُجسد الحادثة نموذجًا صارخًا لانتهاكات جماعة الحوثي الممنهجة ضد التربويين في محافظة إب، ضمن سياسة تكميم الأفواه وإرهاب الكوادر التعليمية والمدنية.

التربوي الإدريسي.. اختطاف من أمام زملائه

في حادثة رابعة موثقة أوردت المؤسسة في تقريرها قصة التربوي (أحمد محمد عبدالوهاب شعلان الإدريسي ـ 48 عاماً) الذي جرى اختطافه في 28 يونيو/ حزيران 2025م، أثناء حضوره اجتماعًا رسميًا لمديري المدارس في مديرية العدين بمحافظة إب، حيث داهمت مجموعة مسلحة تابعة لجماعة الحوثي قاعة الاجتماع بشكل مفاجئ، وقامت باختطافه بالقوة أمام زملائه، دون أي مبرر قانوني أو أمر قضائي.

وأوضحت أنه تم اقتياده إلى جهة مجهولة، ولم يُسمح لأي من أسرته أو زملائه بمعرفة مكانه أو التواصل معه، تاركًا أثرًا نفسيًا بالغًا على الجميع، ومؤكدًا الانتهاك الفاضح لحقوق التربويين في محافظة إب.

وأكدت أن تلك الحادثة تُشكل نموذجًا صارخًا لانتهاك جماعة الحوثي للمؤسسات التعليمية كغطاء لإجراء الاعتقالات والإخفاءات القسرية، في انتهاك صريح للمعايير الدولية وحقوق الإنسان، وتُبرز الواقعة الضغط المستمر الذي تتعرض له الكوادر التعليمية، الذي يُقوض عملهم المهني، ويُهدد حياتهم وحياة أسرهم، ضمن سياسة ممنهجة من قبل الجماعة لفرض الخوف والسيطرة على المجتمع المدني.

الجبلي.. استدراج وتغييب

وفي نمط آخر للاختطاف، كشف التقرير عن استدراج المليشيا للمعلم (محمد حمود الجبلي ـ 48 عاماً) عبر تلقيه دعوة من مدير مدرسته في30 يوليو/ تموز 2025م، لحضور اجتماع طارئ مع فريق من الموجهين، قال مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية العدين إنه سيزورهم إلى المدرسة، ويجب حضور المدرسين، في أمر بدا طبيعيًا تمامًا.

وأضاف، وعند حضور الجبلي، كانت المفاجأة صادمة، عناصر مسلحة تابعة لجماعة الحوثي تنتظره، فاقتادوه بالقوة تحت تهديد السلاح، في مشهد جعل زملاءه في المدرسة عاجزين عن التدخل، وعجزت أسرته عن معرفة مصيره أو مكان احتجازه. موضحاً أنه ومنذ ذلك اليوم، ظل الجبلي مجهول المصير، فيما تعيش أسرته حالة من القلق الدائم، ويظل واقعه شاهدًا على الاعتداء المنهجي على الحق في الحرية والأمان الشخصي في محافظة إب.

وأشار التقرير إلى أن هذه الحادثة تكشف كيف يُستغل الشكل الإداري للمؤسسات التعليمية للتغطية على الانتهاكات، وكيف تتحول المدارس، من مكان للتعليم، إلى مواقع للترهيب واختطاف الكوادر التربوية.

لماذا المعلمين؟

في رده على سؤالنا: لماذا ركز الحوثي على المعلمين والتربويين في حملات الاختطاف والإخفاء القسري الأخيرة في إب، أجاب أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي (م ن ز): "الحوثي يحمل مشروع إمامي كامتداد لمشروع آبائهم وأجدادهم والذي يقوم على الجهل والتجهيل ومحاربة العلم والعلماء كمصدر للمعرفة والتنوير".

التربوي الذي فضل الترميز لاسمه دون ذكره لمخاوف أمنية، تعرض في حديثه لـ "يمن شباب نت" للعلاقة الوثيقة بين الاختطافات للتربويين وبين مساعي الحوثي لتطييف القطاع التربوي كواحد من أهم القطاعات ومسؤول عن تنشئة الأجيال، قائلاً: "هم جادون في تطييف المجتمع بكل فئاته واتجاهاته وفرض ذلك بالقوة، ولكن التركيز على القطاع التربوي لأهميته في تنشئة الفرد، فتأتي الاختطافات لإفراغ الساحة التعليمية من كوادرها لعلمهم بتأثيرها على التعليم و المجتمع في آن واحد، فتغييب المؤثرين معناه انعدام التأثير المضاد وفرض أحادية الفكرة وهذا ما يريده الحوثي".

وأضاف: "سيعملون جاهدين على أن تطول فترة التغييب عن طريق تلفيق التهم وتعددها"، مشيراً إلى أن المليشيا قد أعدت قوائم اتهامات جاهزة من العمالة والخيانة لتشويه صورة المختطفين وإقناع الجميع بصوابية ما حل بهم، وهذا ـ بحد وصفه ـ جزء مهم لتطييف المجتمع والقطاع التربوي.

وعن تداعيات تلك الاختطافات على النشء أكد أن "آثار كارثية ستحل على النشء والعملية التعليمية ربما لن تظهر على المدى القريب بل ستظهر على المدى المتوسط والبعيد، حيث هناك جيل ينشأ على الأفكار الطائفية والعنصرية ومقاومة الحرية والعدالة والمساواة وسيمثلون قنابل موقوته داخل المجتمع".