في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، يعود الملف اليمني بقوة إلى طاولة النقاش في المحافل الدولية، ليس بوصفه أزمة داخلية فحسب، بل كعامل مؤثر في أمن البحر الأحمر والملاحة الدولية واستقرار الخليج والمنطقة برمتها. وعلى هامش مشاركته في أعمال «حوار المنامة»، أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين في اليمن الدكتور شائع الزنداني، في حوار خاص مع صحيفة «أخبار الخليج»، أن معركة اليمنيين ليست مع أشقائهم في دول الخليج، بل مع مشروع مليشياوي مسلح يتغذى من التدخلات الخارجية ويهدد الجميع بلا استثناء.
الزنداني شدد في حديثه لـ«أخبار الخليج» على أن أمن اليمن والخليج حلقة واحدة، وأن أي اختلال في هذه الحلقة ينعكس مباشرة على استقرار المنطقة، من الموانئ إلى الممرات البحرية، ومن السياسة إلى الاقتصاد والإنسان. وفي الوقت نفسه، قطع الطريق على ما يتردد عن «حل دولتين» في اليمن، مؤكداً أنه لا توجد أي مقترحات فعلية بهذا الاتجاه، وأن الطريق الواقعي الوحيد هو بناء شراكات وطنية جامعة تعالج القضايا تحت سقف الدولة الواحدة، بعيداً عن المشاريع التقسيمية والمليشياوية.
وفي هذا الحوار، يفتح الزنداني ملف التدخلات الإيرانية، ويشرح أسباب تعثر جهود التسوية وخارطة الطريق، ويتحدث بصراحة عن موقف الحكومة من طرح «حل الدولتين»، ورؤيتها لمستقبل الشراكة الوطنية في اليمن، إلى جانب تقييمه لاستجابة المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية الكارثية التي يواجهها اليمنيون منذ سنوات.
أجرت الحوار: ياسمين العقيدات
تصوير: رضا جميل
وهذا نص الحوار:
كيف تسهم مشاركتكم في حوار المنامة في توضيح حقائق المشهد اليمني وتعزيز العلاقات اليمنية الخليجية؟
نتشرف بالمشاركة للمرة الثانية في حوار المنامة، وهذا الحوار مهم جدا بالنسبة إلينا لأنه توجد فيه مشاركات من مختلف الأطياف، سواء كانوا مسؤولين سياسيين أو من مختلف الاختصاصات الأخرى العلمية والأكاديمية، وأعتقد أن هذه السنة ستكون مشاركة متميزة بسبب أن عدد المشاركين والحضور كبير على مستوى الوزراء والقيادات المختلفة.
وبالنسبة إلينا، هذه فرصة لإيضاح المشهد اليمني بشكل عام، وخاصة ما يتعلق بالتداعيات الموجودة على صعيد الحوثيين بالذات بعد تصنيفهم منظمة إرهابية دولية، بالإضافة إلى أنها تعزز علاقاتنا بالإخوة في دول مجلس التعاون الخليجي، وفرصة للقاء مسؤولين ووزراء مختلفين، وأعتقد أنه بالنسبة إلينا الأبواب مفتوحة مع دول مجلس التعاون الخليجي
ما هي رؤيتكم للعلاقات البحرينية اليمنية، في ضوء الاتفاقات التي تجري حول استئناف الرحلات بين اليمن والمنامة، وما هي أبرز العقبات التقنية أو الأمنية التي تواجه هذا الأمر؟
تربطنا مع مملكة البحرين علاقات متميزة جدًا، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الشعب البحريني الشقيق، ودائمًا نجد أن مملكة البحرين، حكومة وشعبًا، واقفة إلى جانب اليمن في كل المراحل والظروف.
ولدينا أيضًا جالية كبيرة في البحرين، وهي تحظى بالرعاية والاهتمام من قبل الحكومة البحرينية، ونحن حريصون على تفعيل كل الاتفاقات القائمة، وليس فقط في مجال النقل الجوي.
كنا نتابع قضية الرحلات للخطوط الجوية اليمنية لتسهيل نقل المسافرين إلى اليمن، لأنه في بعض الأحيان يضطر المسافرون إلى المرور عبر أكثر من دولة في العالم قبل الوصول إلى اليمن. وأستطيع القول إن خطوات الاتصال مع وزارة النقل والطيران خطوات متقدمة جدًا. ولا توجد أي مشكلة في الطيران أو في الخطوط الأخرى التي تشغل رحلات إلى اليمن، مثل بعض الخطوط القادمة من جيبوتي وغيرها، والخطوط اليمنية جاهزة حاليًا، ولدينا رحلات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، لكن تحديد الموعد النهائي مرتبط بالجهات ذات الاختصاص.
ما هي تطورات المشهد في اليمن في المرحلة الحالية، وما هو المطلوب من دول الجوار في مستقبل اليمن؟
في الحقيقة، لم يحدث شيء جديد في تطورات المشهد اليمني أو تغييرات بعد التصعيد الذي قام به الحوثيون، وخاصة فيما يتعلق بتهديد الأمن وسلامة البحر الأحمر والملاحة الدولية والتجارة العالمية، وأيضًا أمن وسلامة المنطقة بشكل عام. نحن دائمًا نقول إن أمن دول المنطقة من أمن اليمن والعكس صحيح، فإذا كانت الأوضاع في اليمن غير مستقرة وغير آمنة، فستنعكس بالتأكيد على دول المنطقة، وهذا ما أثبتته الأحداث.
التهديد الذي يقوم به الحوثيون ليس قضية داخلية في اليمن فقط، بل يشكل تهديدًا أيضًا لدول المنطقة بشكل عام، ويلعب دورًا في إطار التجاذبات الإقليمية الموجودة، وينفذ سياسات معينة تهدف إلى تهديد دول المنطقة. وهذا ما يهمنا، أن يكون هناك تنسيق وتكامل مع دول الخليج بشكل عام.
كيف تنظرون إلى دور مجلس التعاون الخليجي في دعم استقرار اليمن سياسيًا واقتصاديًا؟
المجلس كان له دور جيد جدًا في دعم اليمن واستقرار اليمن، وأعتقد أن واحدة من العلامات المهمة كانت المبادرات الخليجية التي تمت أثناء وجود الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني كأمين عام لمجلس التعاون الخليجي. وبفضل هذه المبادرات تم تحقيق خطوات مهمة لإصلاح النظام السياسي والوصول إلى اتفاق بين مختلف الأطراف اليمنية. لكن للأسف، الحوثيون انقلبوا على كل هذه المخرجات التي تمت.
التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني كانت ولا تزال أهم التحديات التي تؤزم الوضع في اليمن، إلى أي مدى مازال التأثير الإيراني متغلغلا في المشهد اليمني؟
أكدنا مرارًا وتكرارًا أن مشكلة اليمن ليست مشكلة يمنية خالصة أو محصورة داخل حدود اليمن فقط، ولولا التدخل الإيراني لما كان للحوثيين هذه المكانة الموجودة لهذه المليشيات، ولما استطاعت هذه المجموعات أن تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه حاليًا من القوة والقدرة على التأثير في الوضع الداخلي اليمني. ونحن نعلم جيدًا أن لإيران أطماعا توسعية منذ بداية الثورة الإيرانية، وأنهم دائمًا تحدثوا عن رغبتهم في امتلاك نفوذ واسع حتى على مستوى المنطقة بشكل عام، وقد بذلوا جهودًا كبيرة وقدرات مختلفة وظفوها في اليمن من أجل إقلاق دول المنطقة بشكل عام، وليس فقط من أجل اليمن نفسها، وهذا ما يجعلنا نعتبر التدخل الإيراني قضية محورية في فهم الوضع اليمني الحالي.
ونحن نلاحظ بوضوح القدرات العسكرية التي وصلت إلى الحوثيين، وخاصة فيما يتعلق بالتطور العسكري الكبير الذي حققوه في مجال امتلاك الصواريخ الباليستية، وبعض هذه الصواريخ استخدمها الحوثيون في وقت مبكر قبل أن تستخدمها إيران نفسها، وهذا الأمر يؤكد بشكل واضح أهمية اليمن بالنسبة إلى إيران والمخططات التوسعية التي تسعى إيران لتنفيذها في المنطقة بأكملها، ما يجعل الوضع في اليمن ليس قضية داخلية فقط، بل جزءا من سياسة إقليمية أوسع تهدف إلى التأثير في استقرار وأمن دول المنطقة بشكل عام.
ذكرتَ أن أحد العوائق هو دعم أنصار الله (الحوثيين) من جهات إقليمية. هل تعتبرون أن هذا الدعم هو أكبر حاجز أمام عملية سلام؟
في الحقيقة، نعتبر أن هذا الدعم يمثل حاجزًا أساسيًا أمام أي عملية سلام حقيقية في اليمن، لأنه لولا دعم إيران للمليشيات الحوثية لما تمكن الحوثيون من البقاء والاستمرار طوال هذه السنوات الطويلة، ولما استطاعوا الوصول إلى المستوى الذي وصلوا إليه من السيطرة والتأثير على المشهد اليمني.
وهناك أدلة كثيرة وواضحة تثبت تورط إيران بشكل مباشر في دعم هذه المليشيات، ولم يقتصر الأمر فقط على تزويدهم بالسلاح، بل شمل أيضًا الدعم المالي وتوفير النفط، وحتى إرسال الخبراء، من بينهم عناصر من حزب الله، للمساعدة في تدريب وإسناد الحوثيين في مختلف المجالات.
ما هي رؤية الحكومة اليمنية تجاه الاقتراحات المطروحة مؤخراً حول «حلّ دولتين» في اليمن؟ وكيف ترون ردّ فعل المجتمع الدولي إزاء ذلك؟
فيما يخص الاقتراحات المطروحة مؤخرًا حول ما يسمى «حل دولتين» في اليمن، نحن نؤكد أنه لا توجد أي مقترحات فعلية بهذا الخصوص على أرض الواقع. نحن في اليمن نتحدث دائمًا عن وجود شراكات وطنية حقيقية، ونسعى لمعالجة كل القضايا المتعلقة بمصالح اليمنيين بمختلف أطرافها، بحيث يتم البحث عن حلول متوازنة وعادلة تلبي احتياجات الجميع.
القضايا الموجودة في اليمن حاليًا تتجه في الغالب لمواجهة عدو مشترك، وهو الحوثيون، وهناك بالتأكيد تباينات وبرامج سياسية ومطالب مختلفة لكل قوة من القوى الفاعلة ، لكننا نعتقد أنه بالإمكان معالجة هذه التباينات وتسويتها ضمن إطار وطني، بما يتيح تجاوز تأثير المليشيات الحوثية، لأن أي حل آخر خارج هذا الإطار سيكون غير ممكن أساسًا نظرًا إلى الظروف الحالية والمعقدة التي تمر بها البلاد. لذلك، بالنسبة إلينا، لا توجد أي مقترحات قائمة أو خطوات فعلية بشأن حل دولتين، وما يتم تداوله في هذا الصدد لا يعكس الواقع السياسي في اليمن أو موقف الحكومة الشرعية تجاه هذا الأمر.
شهدت اليمن في الأشهر الأخيرة تقارير عن تصعيد عسكري ومواجهات داخلية، كيف تؤثّر هذه التطورات على فرص السلام والمصالحة؟
منذ إقرار الهدنة مع الحوثيين، لاحظنا تقريبًا خروقات يومية للهدنة، وهناك الكثير من الشهداء والجرحى في مناطق التماس مع الحوثيين. هؤلاء لم يلتزموا يومًا من الأيام بتعهداتهم أو التزاماتهم، والتصعيد قائم من قبلهم بشكل مستمر. الحكومة حريصة كل الحرص على عدم الانجرار في أي تصعيد، ولدينا دعم ومساندة من الإخوة في التحالف، ونأمل أن نتمكن من الوصول إلى تسوية سلمية للوضع في اليمن من خلال الحل السياسي الذي يضمن حق الجميع في الوجود في اليمن ويؤسس لشراكة وطنية حقيقية.
ورغم ذلك، نحن نؤمن أن الحوثيين أساسًا ليسوا دعاة سلام، ولهذا السبب هناك موقف واضح من الحكومة اليمنية، ونحن ننشد السلام والخير لليمن، وهذا مطلب أساسي بالنسبة إلينا، لأن الحرب فرضت علينا وليست من اختيارنا. ولذلك، عندما يسأل البعض لماذا نتحدث عن السلام، نحن نجيب أن الأمر يتعلق بقضية وطنية وشعبنا، بينما هذه المليشيات أساسًا ليس لديها هدف وطني، بل هي تنفذ أجندات خارجية، وهذا ما يجعل تحقيق السلام معقدًا، ولكننا مستمرون في السعي نحو حل سياسي شامل يضمن الاستقرار والأمن لليمن وشعبه.
في مسار التهدئة البحرية وخليج عدن والممرّات البحرية، ما هي الخطوات التي تسعى الحكومة اليمنية لاتخاذها لتأمين الملاحة؟
فيما يتعلق بتأمين الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن والممرات البحرية، أود أن أوضح أن هذه المسؤولية ليست مسؤولية الحكومة اليمنية وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بين كل الدول المطلة على البحر الأحمر وأيضًا المجتمع الدولي.
الوضع الحالي نتج عن الأعمال التي تقوم بها مليشيات الحوثي، التي لم تتضرر منها اليمن بشكل مباشر، لكن آثارها السلبية امتدت إلى العديد من الدول الأخرى وأثرت على اقتصاداتها، بل شكلت تهديدًا حقيقيًا على حرية التجارة العالمية. لذلك، نحن نؤكد أهمية التعاون الدولي والإقليمي لضمان تأمين الملاحة في هذه الممرات الحيوية وحماية مصالح جميع الدول والشركات التجارية التي تمر عبر هذه البحار، والعمل بشكل منسق لتفادي أي تهديدات مستقبلية قد تنشأ من هذه الممارسات.
بعد سنوات من الأزمة، كيف تقيّمون استجابة المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية في اليمن؟
نحن نعتقد أن استجابة المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية في اليمن لا تزال في حدها الأدنى، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار طول فترة الحرب والمعاناة الإنسانية الكبيرة التي يعيشها اليمنيون. للأسف، لا يوجد دعم إنساني حقيقي يتناسب مع حجم الأزمة الموجودة على الأرض، وربما هناك دعاوى أو أحداث أخرى في العالم تشغل اهتمام المجتمع الدولي وتصرف الانتباه عن موضوع اليمن، ولكن من وجهة نظرنا، اليمن بحاجة إلى المزيد والمزيد من الدعم في المجال الإنساني، ونحن نرى أن المجتمع الدولي يجب أن يكون أكثر جدية وفاعلية في تقديم المساعدات.
ماذا عن الوساطات الدولية لإنهاء الصراع في اليمن، وماذا عن الدور الأمريكي في هذا الصراع؟
فيما يخص الوساطات الدولية الرامية إلى إنهاء الصراع في اليمن، نلاحظ أن الأمور توقفت وتجمدت في مرحلة معينة عندما كان هناك مقترح بخارطة الطريق، التي بادرت بها المملكة العربية السعودية والإخوة في سلطنة عمان. وبعد التصرفات التي قام بها الحوثيون في تلك الفترة، لم تتوافر أي مبادرات جديدة يمكن التعامل معها بشكل جاد وفعال. وهذا يشمل أيضًا الجانب الأمريكي.
متى يمكن أن يحل السلام في اليمن؟
السلام في اليمن لن يتحقق إلا عندما تترك المليشيات السلاح بالكامل، وتلتزم بشكل كامل بالشرعية الدستورية والقانونية، وأن يشعر أفراد هذه المليشيات أنهم جزء من الشعب اليمني وليسوا خارجه. يجب أن يتوقفوا عن أعمال الإرهاب والقتل والتدمير التي يسببونها لليمن وشعبه، لأن هذه الممارسات هي التي تعيق أي فرصة للسلام.
بالنسبة إلينا، السلام مرتبط أساسًا بإرادة جميع الأطراف في احترام القانون والشرعية، والاعتراف بحق الجميع في العيش بحرية وأمان داخل اليمن، بعيدًا عن العنف والتخريب الذي أدى إلى معاناة كبيرة للمواطنين طوال السنوات الماضية.