في عالم الرياضة، الثقة بالنفس لا تقدر بثمن، لكن عندما تتحول إلى غرور، وتترجم إلى تصريحات استفزازية قبل المباريات، فإن الملعب نفسه يتولى الانتقام.
فتاريخ كرة القدم حافل بقصص لاعبين وفرق اعتقدوا أن الكلام المسبق سيكون وسيلة لرفع راية التحدي وإرهاب المنافسين، لكن اتضح أن لسانهم كان أقسى عليهم من أي خصم.
يامال الحاد
منذ أيام قليلة، قبل الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد، الذي أقيم 26 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، ظهر لامين يامال، النجم البالغ من العمر 18 سنة فقط على بودكاست Kings League الشهير لاستفزاز ريال مدريد.
كانت لديه ثقة يحسد عليها، عندما تم سؤاله عن النادي العاصمي.
لم يتردد الشاب اليافع في الإجابة بحدة: "نعم، يسرقون (في إشارة لقرارات الحكام)، ثم يشتكون، بالطبع يفعلون ذلك".
وأضاف بفخر: "آخر مرة ذهبت للبرنابيو، سجلت وفزنا 0-4".
لم يكتفِ بالتصريحات الحادة، بل نشر صورا على إنستجرام من احتفالاته السابقة في البرنابيو.
جحيم في البرنابيو
عندما جاء موعد الكلاسيكو، لم تحم الثقة صاحبها، الذي قدم أداء مهزوزا، بفعل زئير الجماهير البيضاء كلما لمس الكرة، لترتعد قدماه، ويخرج إكلينيكيا من أجواء اللقاء.
والنتيجة، برشلونة خسر 1-2، بعدما تعطل أهم أسلحته، بفعل لسانه.
فأداء يامال كان باهتا، لم يقدم أي مساهمة حاسمة، لم يغيّر المسار، لم يسجل، لم يصنع فرصة ذهبية، كان أكثر من فقد الكرة، باختصار كان حاضرا على أرض الملعب بجسده فقط، يراقب كيف يتحطم غروره بقسوة.
بعد الصافرة النهائية، لم يتردد لاعبو ريال (خاصة داني كارفاخال وفينيسيوس جونيور) في مواجهة الفتى الصغير ثقيل اللسان.
قالوا له بوضوح: "أنت تتحدث كثيرا"، تحذير بسيط لكنه مغلف بالقسوة، مفاده: "الملعب ليس مقهى، والكلام لا يحسم نتائج المباريات".
رافينيا الناري
قبل مباراة بتصفيات كأس العالم 2026 بين البرازيل والأرجنتين، 26 مارس/ آذار 2025، ظهر رافينيا نجم السيليساو، في بودكاست روماريو، أسطورة كرة القدم البرازيلية.
الأثير وثقل الاسم جعلاه يشعر بأنه يجب أن يقول شيئا مؤثرا، ليبادر بجرأة وثقة: "سنهزمهم بالتأكيد، سنضربهم في الملعب وخارج الملعب إذا اضطررنا".
وأضاف بثقة عمياء "أنا سأسجل هدفا، سأذهب بكل قوتي ضدهم".
لم تكن تلك مجرد كلمات تحفيز لزملائه، بل وعودا سجلها الميكروفون، نشرتها المنصات، وحفظتها ذاكرة الملايين.
إذلال كروي
وصلت لحظة الحقيقة، ولم تكن جميلة، البرازيل خسرت 1-4 بطريقة مذلة.
ونجم البرازيل الذي استفز الخصم؟ كان أسوأ لاعب في الميدان.
إحصائيات رافينيا تحكي قصة خيبة الأمل، لم يسدد على المرمى حتى مرة واحدة، لمس الكرة 35 مرة فقط، دقة تمريراته بلغت 64%، أداء كارثي.
لاعبو الأرجنتين، بعد الصافرة، أحاطوه بابتسامات ساخرة.
نيكولاس أوتاميندي اقترب من رافينيا وقال له: "تكلم أقل"، كلمتان يحملان وزنا أثقل من ألف تعليق.
الجماهير الأرجنتينية غنت "ادخل رافينيا"، وهي تسخر من تراجعه الدفاعي المستمر.
الكاميرات التقطت ملامح الندم على وجهه، ندم لاعب أدرك أنه لسانه ورطه أكثر من اللازم.
احتفال سيميوني
في إقصائيات دوري أبطال أوروبا، التقى أتلتيكو مدريد ويوفنتوس في 10 فبراير/ شباط 2019.
يومها فاز أتلتيكو بثنائية نظيفة ومستحقة تماما على ميدانه.
مدرب الفريق ديييجو سيميوني، رأى النصر قاب قوسين أو أدنى، لم يكتف باحتفال عادي، ونفذ حركات استفزازية مباشرة أمام لاعبي يوفنتوس، وفي القلب منهم الأسطورة كريستيانو رونالدو.
احتفل سيميوني بطريقة تقول: "انتهت المباراة، النتيجة محسومة، لا توجد عودة من هنا".
لكن الأرجنتيني الصلب نسي شيئا واحدا، أن من يستفز رونالدو، لا ينام آمنا.
ملحمة رونالدو
في الإياب (12 مارس / آذار)، كانت تورينو تشتعل، رونالدو الهادئ قبل اللقاء، تحول إلى إعصار، ووقع على هاتريك تاريخي، من رأسية قاتلة وتسديدة مدمرة، وركلة جزاء أنهت الحكاية.
يوفنتوس فاز 3-0 وتأهل، ثم احتفل رونالدو بنفس حركة سيميوني.
الفارق الوحيد؟ أن الملعب كان يصفق لصاروخ ماديرا.
حماقة فان جال
قبل ربع نهائي كأس العالم 2022 بين هولندا والأرجنتين، أطلق مدرب الطواحين لويس فان جال تصريحات سافرة: "ميسي لا يتحرك كثيرا عندما يملك الخصم الكرة، فرصنا تكمن هناك".
تلميح لأن هولندا يمكنها استغلال ضعف ميسي دفاعيا.
وواصل "منذ 8 سنوات مضت نجحنا في تحييد ميسي، في لقاء الفريقين بمونديال البرازيل 2014".
حتى فيرجيل فان دايك، قائد الدفاع الهولندي، قال بثقة: "لسنا قلقين من ميسي على الإطلاق".
وجه مغاير
أظهر ليونيل ميسي وجها مغايرا في هذه المواجهة.
صنع هدف بلاده الأول بطريقة خرافية، وحينما سجل الهدف الثاني بنفسه، انطلق وركض نحو فان جال واحتفل بطريقة شهيرة، رافعا يديه بجوار أذنيه وكأنه يسخر: "ماذا كنت تقول؟".
ورغم أن المباراة انتهت بانتصار راقصي التانجو، إلا أن غضب ليو لم ينطفئ، فحينما اقترب منه المهاجم الهولندي فاوت فيجهورست في المنطقة المختلطة للصحفيين، عاجله "البرغوث" بكلمات غاضبة وساخرة أصبحت حديث العالم: "اذهب أيها الأحمق".
نوير ينكأ الجرح
قبل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بين برشلونة وبايرن (مايو / أيار 2015)، وعد نوير بإيقاف ميسي، قائلا: "سأظهر له من هو الرئيس".
وواصل مذكرا ليو بجرح مونديال البرازيل: "من الضروري إظهار سلطتنا عندما نلتقي على أرض الملعب، وأن نُظهر له من هو المسيطر، فعلتُ الشيء نفسه في نهائي كأس العالم (انتصرت ألمانيا بهدف)".
بواتينج يدفع الثمن
لكن ميسي، كعادته، لم يرد بالكلام، بل رد بفن لا يُقاوَم.
والنتيجة: برشلونة 3 – بايرن 0.
ميسي سجل هدفين، أحدهما جعل المدافع الكبير جيروم بواتينج يسقط على ظهره كالطفل، في لقطة أيقونية، قبل وضع الكرة من فوق نوير العاجز.
كانت لحظة صمت في ملعب كامب نو، قبل أن تنفجر الجماهير بالهتاف للملك.
كرة القدم لا تغفر الغرور
من يامال المتهور إلى رافينيا المندفع، مرورا بسيميوني الاستفزازي وفان جال الماكر، وانتهاء بنوير الواثق، تتكرر القصة نفسها: "تصريح متسرع، غرور في العلن، ثم درس لا ينسى في الميدان.
فالكلمة تسبق الفعل أحيانا، لكنها لا تصمد أمامه.
وفي النهاية، أعاد رونالدو وميسي ونجوم الريال والأرجنتين، إثبات حقيقة كروية لا تقبل الشك، مفادها "الملعب لا يحفظ الوعود ولا يعترف بالثرثرة، إنه فقط يسجل ما يقال بالقدم، لا باللسان".