القربان. الثالث
يجلس القرفصاء في زاوية الشاحنة التي تقل المجندين منكس الرأس بصره نحو ارضية الشاحنة وأفكاره تتراجع نحو ماضي ليس ببعيد يتأرجح يمينا ويسار كلما تمايلت المركبة وربما اندفع للامام حتى يستفيق من رحلة الذكريات المريرة لينظر حوله فيرى جموع الشباب والصبية يهتفون ويرددون:
الله أكبر .. ألله أكبر
الموت للأعداء
اللعنة على الكافرين
ينهض سريعا متشبتا بعمود مثبت على الشاحنة وهو يهتف بلاوعي:
اللعنة ... اللعنة.
وكأنه يقف في طابور الصباح في مدرسته التي لا تبعد عن الدار التي يقيم فيها بعد أن ايقظ المشرف جميع نزلاء دار الأيتام لتناول وجبة الإفطار على صدى الصرخة،:
اللعنة على اليهود
وهم يتوجهون في صفوف نحو مطبخ الإصلاحية لتصرف لهم وجبة الإفطار أقراص الكدم ( خبز مصنوع من دقيق القمح والذرة والشعير) وكوب الشاي الأحمر قبل ان يتوجهوا نحو المدارس القريبة التي ينتظموا فيها للدراسة .
يتوجه التلاميذ نحو صفوفهم ؛يتجه نحو المقعد في مؤخرة الفصل الدراسي ينزوي بعيدا عن زملائه تحاشيا الأختلاط بهم حتى لايسمع مايسوئه من بعض التلاميذ الذين ينظرون إليه نظرة دونية كونه نزيل الأصلاحية وما أن يقرع الجرس معلنا وقت الراحة ينصرف جميع التلاميذ نحو ساحة المدرسة وملاعبها لكنه وحده يظل حبيس الفصل منطوي ومع كل هذا لايسلم من تدخل المتطفلين فإذا ببعض الأولاد المستفزين يقتربون منه وهو ينظر بتوجس وقلق يحاول ضبط نفسه حتى لا تثيره افعالهم الهوجاء فيلقي أحدهم تحية استفزاز:
سلام نزيل الإصلاحية
ويضيف الأخر استفهام استفزازي جارح:
هل زارك أبوك يوما
ترتفع ضحكاتهم في سخرية مهينة ويتمتم بعضهم:
كيف يزوره وهو لم يزر أمه إلا سرا
ترتفع الضحكات في استهزاء ويتلفظ اوقحهم بعبارة قادحة جارحة:
إنه ولد زنا
يغضب ينهض من مكانه ليصفع المتحدث فيجتمع لفيف الفتية الطفيليين لينهالوا عليه بالضرب حتى يوقعه أرضا وهو يتوعد أنه منتقم منهم يوما لا محاله.
يرتفع صوته ترديدا للصرخة:
اللعنة ......اللعنة
تحدثه نفسه :
بعد أن اعود من الجبهة وعلى كتفي النجوم سانتقم من كل من أهانني وساسحقهم بقدمي هاتين ولن يجرؤا على الحديث معي.
فيطير به الخيال وهو عائدا من ساحة المعركة تلمع نجوم القيادة على كتفيه وكلما مر وقفت الجموع تلقي علية التحية،:
اهلا أيها القائد.
تتوقف الشاحنة يامر القائد الجميع بالأستعداد للنزول إلى الساحة والأصطفاف في طوابير قبل توزيع المهام للانتشار في ساحة المعركة يضع سلاحه على كتفه ويرتفع في الهواء قبل ان يهوي جسده نحو الأرض ليقف ثابتا والحماس يدفعه لنيل شرف النصر والبطولة حتى يسحق الأعداء في المعركة ويسحق كل من رماه بالإهانة وجرح مشاعرة.
عصام مريسي