آخر تحديث :الثلاثاء-14 أكتوبر 2025-12:09ص
أخبار وتقارير

لم أخن القضية الجنوبية... بل راجعت نفسي.. الإنفصال ليس حلاً

الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - 10:14 م بتوقيت عدن
لم أخن القضية الجنوبية... بل راجعت نفسي.. الإنفصال ليس حلاً
غرفة الاخبار

كتب / خالد باعزب



لم أخن القضية الجنوبية... بل راجعت نفسي
..........................................................
قصتي مع الحراك الجنوبي تحتاج إلى رواية كاملة، لا مجرد منشور، لكن سأختصرها قدر الإمكان.
منذ عام 2007 كنت أشارك في أغلب مظاهرات الحراك الجنوبي، ولم أتغيب عن واحدة تقريبًا. كنت مؤمنًا أن الخروج إلى الشارع واجب، وأن رفع الصوت حق مشروع، وأن المظاهرات هي صوت الناس وآمالهم.
بلغت ذروة الحراك في عام 2012، وكنت حاضرًا في كل الساحات: من المعلا والخور وردفان والهاشمي إلى المنصورة وساحة العروض. كانت البدايات خجولة، وكان النظام آنذاك لا يتهاون. كان رفع علم الجنوب جرأةً وانتحارًا لا يضاهيهما شيء، خاصة في العاصمة عدن. وكان الزحف إلى الهاشمي حلم المتظاهرين، حيث تُغلق الطرقات مبكرًا، خصوصًا في تاريخ 7/7.
كان متنفسي الوحيد حينها إلكترونيًا عبر منتدى الضالع – بوابة الجنوب وغيرها من المنتديات التي تكاثرت لاحقًا.
كان لي صديق عدني من أصول شمالية، وكان دائمًا يحذرني من التورط العاطفي في الحراك، ويقول إن ما يحدث مجرد شقٍّ للصف. لكنني كنت أرى أن القضية عادلة وأن التعبير عنها حق مشروع.
في تلك الفترة، كانت الدعاية تتحدث عن أن النظام السابق باع ميناء عدن للإمارات، ونفط حضرموت وشبوة لشركات غربية، وأن الثروات تُنهب، مع أن الرواتب كانت تُصرف قبل موعدها، وكانت الكهرباء متوفرة.
ما صدمني لاحقًا هو انقسام الحراك نفسه:
علي سالم البيض في الخارج يتصرف كرئيس، يخطب من برجٍ عاجي .
حسن باعوم يقود تيارًا ناشئًا يؤمن بالقضية من الداخل، ويبدو أكثر تأثيرًا لأنه يعيش بين الناس.
علي ناصر محمد يحاول تشكيل مكون فدرالي جديد، مؤمنًا بالفدرالية ثم الاستفتاء.
وكان ما يثير قلقي حينها هو الخلاف الدائم بين قوى الحراك حول تسمية الدولة القادمة:
هل ستكون الجنوب العربي أم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟
إضافة إلى عدم التوافق والجلوس على طاولة واحدة لوضع ميثاق شرف على الأقل.
وكل طرف يرى نفسه الممثل الشرعي الوحيد للقضية.
أتذكر يوم دخل شلال شائع ساحة العروض، وخلفه مجموعة تهتف:
"يا شلال سير سير، نحن بعدك في المسير"
ثم اقتحموا المنصة بالقوة ليلقي خطابه الذي لم يفهمه كثيرون. كنت ألقبه مازحًا بـ"عاشق الميكروفونات"، فكل قيادي كان يريد أن يخطب ويظهر كـ"جيفارا"، ولا يصفق له إلا أتباعه.
في مؤتمر الحوار الوطني دخل محمد علي أحمد ممثلًا للجنوب، فهاجمه أنصار الحراك بشدة، رغم أنه كان يعبّر عن صوت الجنوبيين أمام العالم، وكنت أرى ذلك الهجوم غير عقلاني.
كما عارض الحراك بشدة انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسًا توافقيًا، فرفض المشاركة رغم أنه جنوبي منهم. مع أنه في عهده سُمِح بخروج الناس إلى ساحة العروض التي كانت ممنوعة سابقًا، وكان هذا الرفض بالنسبة لي غير منطقي.
في إحدى المليونيات في ساحة العروض، دعت القيادات الجمهور إلى الزحف نحو مبنى المحافظة في شارع مدرم بالمعلا، فانقسم الناس بين مؤيد ومعارض.
شاركت معهم، وما إن وصلنا شارع مدرم حتى بدأت الحجارة تُرمى على حراس المبنى، وسمعنا طلقات الرصاص، وخنقنا الغاز المسيل للدموع.
كدت أختنق يومها، وخرجت من خلف المباني عبر ماسورة الصرف – أعزكم الله – حتى وصلت إلى دَكَّة المعلا.
عدت إلى البيت وفتحت قناة عدن لايف، فسمعتهم يهاجمون "المتهورين الذين زحفوا دون تنسيق"!
😅
بعد مؤتمر الحوار الوطني بدأت الصورة تتضح أكثر.
اقتنعت أن مشروع اليمن الاتحادي هو الحل العادل، لأنه يوزع السلطة والثروة وينهي المركزية المحصورة في صنعاء.
كنت مؤمنًا أنه حتى لو انفصل الجنوب، فسنحترِب داخليًا كما كنا، وسنخوض حروبًا مع الشمال كما حدث في الماضي، فالتاريخ يعيد نفسه.
توقفت بعدها عن المشاركة في المظاهرات، وبدأت أؤمن بالتغيير السلمي وبمشروع الدولة الاتحادية ذات الأقاليم الستة.
ثم اندلعت الحرب، ودخل الحوثيون صنعاء، فقال بعض قيادات الحراك:
"لا يعنينا ما يحدث في الشمال."
وكان هذا – في نظري – غباءً منقطع النظير.
ثم انهارت الأمور وتشظّت البلاد، وزحف الحوثيون إلى عدن.
خرجت قناة عدن لايف عن السيطرة، فعلي سالم البيض لم يستطع السيطرة على قناة، فكيف بوطن؟!
وأصبحت القناة مؤيدة لاجتياح عدن من قبل الحوثيين، واتضح أنها تُدار فعلًا من الضاحية الجنوبية كما كان يُقال.
ولا أنسى تغطية الإعلامية اللبنانية غدي فرنسيس التي نزلت إلى عدن وسط ترحيب كبير من الجنوبيين.
بعد الاجتياح اختفى القادة القدامى وظهرت وجوه جديدة.
والمفارقة أن صديقي الذي كان يحذرني من الحراك أصبح اليوم إعلاميًا جنوبيًا يدافع عن القضية أكثر مني، بينما صرت أنا في نظر البعض "خائنًا للقضية"، فقط لأنني لم أعد أؤمن بالانفصال.
نعم، تغيرت قناعاتي، وهذا طبيعي مع مرور الزمن ونضوج الوعي.
والأغرب أن من رفعوا شعار الانفصال تسلّموا السلطة ومارسوا النهب والعنصرية أكثر من النظام السابق، حتى صار النظام الذي كنا نشتكي منه يبدو اليوم أكثر تسامحًا وعدلًا.
حتى عند تأسيس المجلس الانتقالي تم إقصاء طرف جنوبي مهم واستبداله بطرف شمالي!
لا أفهم ما الذي يريدونه بالضبط.
اليوم أؤمن أن الاختلاف في القناعات لا يعني الخيانة،
وأن طريق العدالة ليس طريقًا واحدًا.
ما بين ساحات المظاهرات ومشروع اليمن الاتحادي، كنت دائمًا أبحث عن مستقبلٍ أفضل لليمنيين... جنوبًا وشمالًا.
خالد باعزب