يعاني طلاب مناطق سيطرة الحكومة اليمنية من نقص الكتب المدرسية، بينما يقاسي أقرانهم في مناطق الحوثيين من أسعارها الباهظة وتسخير المطابع للكتيّبات الطائفية، ما يعني تدميراً ممنهجاً للتعليم.
رغم مرور أكثر من شهر على بدء العام الدراسي في اليمن، إلّا أنّ الطالب في الصف التاسع الأساسي، خطاب عماد فيصل، لا يملك سوى كتاب اللغة العربية- الجزء الأول، حاله حال العديد من الطلاب، بسبب عجز مدرسته عن تأمين الكتب المدرسية وسط ظروف الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
يقول خطاب، الطالب في مدرسة السلام الحكومية بمدينة تعز، لـ"العربي الجديد": "لم تؤمن المدرسة سوى مقرّر اللغة العربية، فاضطررت إلى شراء بعض الكتب من بائعين في شارع التحرير، وتحميل كتب أخرى عبر شبكة الإنترنت. لكن للأسف، الكتب الإلكترونية تابعة للمنهج الدراسي الحوثي".
وتُعد المدارس الحكومية الأكثر تضرّراً من غياب الكتب المدرسية، إذ تلجأ إلى عدد من الوسائل لتجاوز المشكلة عبر تجميع كتب العام السابق إلزامياً من الطلاب مقابل منحهم شهادات النجاح، وذلك بهدف توزيعها على الطلاب الآخرين، إضافة إلى إمكانية اشتراك أكثر من طالب بكتب المقرّر الواحد. وفي بعض المناطق تستعين المدارس بالمبادرات المجتمعية التي تدعم التعليم من خلال جمع التبرعات، وشراء الكتب وتوزيعها على مدارس المنطقة.
ويكشف مدير مدرسة السعيد بريف تعز، محمد عبد الله غالب، لـ"العربي الجديد"، أن الكتب المدرسية لم تعد تصلهم من مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، ما تسبب بعجز في توفيرها، ويقول: "اضطررنا إلى إلزام الطلاب بتسليم كتب العام السابق شرطاً للحصول على الشهادة والتسجيل في العام الدراسي، لنقوم بتوزيعها على طلاب العام الجديد، ونحاول سدّ النقص في بعض المقرّرات عبر المبادرات المجتمعية".
أما المدارس الخاصة والأهلية فتلجأ إلى طباعة المقرّرات في مطابع محلية ذات جودة ضعيفة، وتفرض رسوماً إضافية على رسوم التسجيل، تحت بند "رسوم الكتب الدراسية"، والتي تتفاوت بين 15 و20 دولاراً أميركياً. وتؤكد مديرة مدرسة بدر الأهلية في تعز، ثريا الحامدي، لـ"العربي الجديد" أن مشكلة انعدام الكتب المدرسيّة وتقاعس وزارة التربية والتعليم عن طباعتها تُعتبر من أكبر المشاكل التي يواجهها التربويّون، وتقول: "لجأنا كوننا مدارس خاصة إلى طباعة الكتب في المطابع الخاصة بأسعار باهظة، رغم رداءة الأوراق والتغليف. وقد استنزفت هذه العملية منّا ومن أولياء أمور الطلاب، مبالغ كبيرة كانت ستُستثمر في مجالاتٍ أخرى لتوفير بيئة تعليمية متطوّرة، لو أنّ الدولة وفّرت الكتب المدرسية".
وتضيف: "أما طلاب المدارس الحكومية فقد لا يجدون سوى كتاب واحد، ما يؤثر سلباً على تحصيلهم العلمي. فالكتاب ركيزة أساسية من ركائز التعليم، ومن دونه تختلّ العملية التعليمية، ناهيك عن انعدامه في مدارس عدّة، ما يضطر الأهالي إلى شراء الكتب من بائعين يفترشون الأرصفة، بأسعار مرتفعة تفوق قدرة غالبيّة ذوي الدخل المحدود".
وفي بعض المحافظات تكفّلت السلطات المحلية بتوفير الكتب، كما هي الحال بمحافظة مأرب شمال شرقي البلاد، التي تُعد من أكثر المحافظات اكتظاظاً نتيجة استقبالها ملايين النازحين من المحافظات الأخرى، ما فاقم أزمة نقص الكتاب المدرسي، بعجز يصل إلى مليونَي كتاب، بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة، وهو الأمر الذي يسبّب شللاً في سير العملية التعليمية في كثير من المدارس، والذي دفع السلطات المحلية إلى إطلاق مبادرة لطباعة الكتاب المدرسي.
وتنتشر نقاط بيع الكتب المدرسية في مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة المُعترف بها دولياً على حد سواء، حيث تُباع على الأرصفة في الشوارع الرئيسية، ويعادل سعر الكتاب الواحد في مناطق سيطرة الحكومة المُعترف بها نحو دولار أميركي، وقد يزيد قليلاً في بعض المقرّرات، بينما يصل السعر إلى 10 دولارات أميركية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتعرضت المطابع في العاصمة صنعاء إلى تدمير ممنهج من خلال تسخيرها لخدمة المشروع السلالي للحوثيين، إذ جرى تحويل المطابع الضخمة المعنية بالكتب المدرسيّة إلى مطابع خاصة بصور قتلى الجماعة وقياداتها، وبمَلازم مؤسّس الجماعة، والكتيّبات الطائفية، واليافطات والشعارات الخاصة بمناسبات الحوثيين. بالمقابل، تُباع الكتب المدرسية في نقاط محدّدة وبأسعار باهظة، ما يعني تدميراً ممنهجاً للتعليم.
لم يكتفِ الحوثيون بتحويل الكتب المدرسية إلى أداة للجبايات المالية من خلال بيعها واحتكار طباعتها وتوزيعها، بل عمدوا إلى حذف الدروس المتعلقة بثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 التي أطاحت النظامَ الإمامي وأعلنت قيام النظام الجمهوري، كما إلى طمس رموز الجمهورية والشخصيات التاريخية، وحذف نصوص شعراء اليمن الكبار، أمثال عبد العزيز المقالح. واستبدلوا ذلك بمقررات طائفية تمجّد جماعة الحوثيين وقياداتها، ومرجعياتها الدينية، ومناسباتها المذهبية.
ويقول أحمد علي لـ"العربي الجديد": "لديّ خمسة أبناء في المدارس، ما يعني أن كلفة شراء كتبهم تتجاوز 150 ألف ريال يمني (نحو 280 دولاراً أميركياً بمناطق سيطرة الحوثيين)، وهو مبلغ يفوق قدرتي في ظل انقطاع الرواتب. لقد حوّل الحوثيون الكتب المدرسية إلى وسيلة لجباية الأموال، رغم أنهم يطبعون كتيّباتهم الطائفية ويوزعونها مجاناً على الطلاب في مراكزهم الصيفية، ويحرمونهم من الكتاب المدرسي الذي كان مجانياً قبل سيطرتهم".
وتعاني مطابع الكتاب المدرسي في العاصمة المؤقتة، عدن، من ضعف التمويل وعجز الميزانيات، إذ تحتاج إلى دعم سنوي بقيمة 14 مليار ريال يمني (الدولار يساوي 1617 ريالاً، أي نحو 8.66 مليون دولار أميركي). وفي حين تصل الحاجة سنوياً إلى 28 مليون كتاب مدرسي، يبلغ عدد الكتب المطبوعة والمتعاقد عليها بين المطابع والوزارة 3.5 ملايين كتاب فقط، أي 12.5% فقط من الاحتياج الكلي، كما أن الحرب أثرت سلباً على البنى التحتية من انقطاع الكهرباء لتشغيل المطابع إلى صعوبة الحصول على المواد الخام من حبر وأوراق نتيجة ارتفاع تكاليفها، وسط غياب أي دعم خارجي.
ويوضح خبير التدريب والمناهج في وزارة التربية والتعليم بعدن، مكرم عبد الله علي، لـ"العربي الجديد" أن حجم الاحتياج للكتب يتفاوت بين محافظة وأخرى، ويُراوح بين 60 إلى 80%، غير أن ذروة العجز تكمن في محافظة تعز بسبب "السياسة الخاطئة للحكومة ووزارة التربية في استثمار المنح المقدمة من شركاء التنمية، أضف إلى عدم توفير الموازنات الخاصة بالمطابع المحلية في حضرموت وعدن"، ويأسف لـ"تحوّل وزارة التربية إلى مؤسّسة خاصة مهتمة بنهب المنح التعليمية بأساليب التوائية من دون أي فائدة حقيقية، إذ كان الأجدى بالوزارة والمانحين معالجة نقص الكتاب المدرسي ورواتب المعلمين التي لا تفي بـ10% من احتياجاتهم".
وفي تقرير حديث، كشفت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن نحو 4 ملايين طفل يمني في سنّ التعليم لا يزالون خارج المدارس جراء النزاع المستمر، وأن عدد الأطفال اليمنيين غير الملتحقين بالمدارس منذ بداية العام الجاري، يبلغ 3 ملايين و970 ألفاً و157 طفلاً. وأوضح أن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يمثلون 34.5% من إجمالي الأطفال في سن التعليم (بين 5 و17 عاماً) في اليمن، والبالغ عددهم 11 مليوناً و510 آلاف و76 طفلاً، وسيكون الأكثر ضعفاً بينهم 1.5 مليون نازح داخلي، وما يُقدر بنحو 870 ألفاً و495 فتاة وفتى من ذوي الإعاقة.
وأشار التقرير ذاته إلى أنّ 52% من إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالتعليم هم من الفتيان؛ بعدد مليونَين و64 ألفاً و481 فتى، مقابل مليون و905 آلاف و675 فتاة، وبنسبة 48%، بينما يرتفع معدل الانقطاع عن التعليم في المرحلة الأساسية عنه في المرحلة الثانوية أو التمهيدية.