آخر تحديث :السبت-04 أكتوبر 2025-04:12م
أخبار وتقارير

رحلة الأمل والوداع الأخير: قصة مهدي مجدع"

السبت - 04 أكتوبر 2025 - 12:57 م بتوقيت عدن
رحلة الأمل والوداع الأخير: قصة مهدي مجدع"
(عدن الغد) خاص:

كتب/ د. الخضر عبدالله :


مهدي عبدالله مجدع، شاب يمني ذكي ومجتهد في دراسته الابتدائية و الأساسيةوالثانوية ، نشأ في بيئة متواضعة لكنها مشبعة بالقيم والطموحات. منذ صغره، عرف عنه حب التعلم والتفوق الدراسي، وكان يُنظر إليه كأمل العائلة ومستقبلها المشرق. أنهى دراسته الثانوية بتفوق، لكن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالت دون استكماله للتعليم الجامعي، فقرر البحث عن فرصة عمل تعينه وتعيل أسرته.


الغربة من أجل لقمة العيش


شدّ مهدي الرحال إلى المملكة العربية السعودية، كغيره من آلاف الشباب اليمني الذين دفعتهم الحاجة إلى الهجرة. عمل في عدة مهن شاقة، وتحمل حرارة الغربة وصعوبة البُعد عن الأهل، لكنه لم يشكُ يومًا، بل كان يقول دومًا: "كل تعب اليوم راحة غد".

أرسل مدخراته إلى أسرته في اليمن، وساهم في تعليم إخوته وسد حاجات والديه، مؤمناً بأن ما يفعله ليس إلا واجبًا. إلا أن الحنين إلى الوطن ظلّ يسكنه.


العودة إلى وطنٍ منهك


بعد سنوات قضاها في السعودية، عاد مهدي إلى اليمن، آملاً أن تكون البلاد قد تغيّرت. لكنه عاد ليجد الأوضاع أسوأ مما كانت، فالأسعار في ارتفاع جنوني، وسعر صرف العملة المحلية ينهار يومًا بعد يوم. تفاقمت الضغوط عليه، وأصبح من الصعب عليه تأمين لقمة العيش حتى وهو في وطنه.


البحث عن الأمان في مكانٍ خطر


مع انسداد سبل العيش، وبعد محاولات متكررة وجهود من معارف ووساطات، التحق مهدي بقوات جبهة البقع، وهي إحدى الجبهات الحدودية التي تشهد صراعًا مستمرًا. لم يكن انضمامه بدافع الحرب، بل من أجل الراتب الذي يسد رمق الجوع ويغطي تكاليف الحياة لعائلته.

فبعد أن كان يحمل القلم يوماً، أصبح يحمل السلاح، لا عن قناعة بل عن حاجة.



الحادث المفجع ونهاية الرحلة


لم يمضِ وقت طويل على وجود مهدي في الجبهة، حتى جاء اليوم المشؤوم. أثناء تنقله مع زملائه، تعرض لحادث مروري مروّع. إصابته كانت بالغة، ولم تُمهله الحياة طويلاً، ففارق الحياة متأثرًا بجراحه، تاركًا خلفه دمعة أم، وحرقة زوجة واولاد، وحسرة إخوة، وحكاية لم تكتمل.


وداعاً مهدي.. شهيد لقمة العيش


لم يُقتل مهدي برصاص، بل سقط ضحية لحياة قاسية اضطرته لطرق أبواب لا تشبهه. موته كان صدمة لكل من عرفه، فمهدي لم يكن مقاتلا في جوهره، بل شابًا حالمًا، أراد فقط أن يعيش بكرامة. ورحل كما يرحل الكثير من أبناء الوطن: بصمت، وبألم لا يسمعه أحد.



رسالة مفتوحة من قصته


قصة مهدي ليست حالة فردية، بل مرآة لواقعٍ مؤلم يعيشه آلاف الشباب اليمنيين الذين يسحقهم الفقر وتدفعهم الحاجة للمخاطرة بأرواحهم من أجل حياة لا تُمنَح لهم بسهولة.


رحل مهدي، لكن قصته باقية، تهمس في أذن الضمير:

إلى متى يضطر الأبرياء للموت كي يعيشوا؟