شاء الله تعالى أن يجمعني هذا المساء بأيقونة الإعلام الرياضي اليمني "محمد العولقي "، دون سابق ميعاد في أحد مطاعم عدن، وسعدت بذلك أيما سعادة خصوصًا وقد باعدت بيننا المسافات وانحسرت لظروف شتى سبل التواصل إلا فيما ندر.
"العولقي" الرجل الذي جعل للكلمة معنى وللعبارة فحوى وللمفردة مغزى وللكتابة مدلولات ومضامين، هو دون شك محل فخرنا واعتزازنا نحن أبناء أبين أرض (البدو) كما يصفوننا، لكن ذلك يزيدنا علوًا ورفعة، ولمَ لا ؟
وقد ارتضعنا من أفاويق "الشهامة" وارتوينا من الماء الممزوج بملح الأرض وعركتنا حياة الريف بكل تفاصيلها.
العولقي من الأشخاص الذين يزرعون فينا الأمل، إن تحدثت معهم حلَّقت أرواحنا تفاؤلًا، وسعدت قلوبنا بقربهم وانتعشت أنفسنا لرؤيتهم، هؤلاء بكل تأكيد نبحث عنهم ونشتري جوارهم، فجمال الحياة أن تصاحب مثلهم.
قد لا يعرف الكثير أن محمدًا هو صاحب الفضل الأول عليّ والسبب الرئيس في دخولي مجال الصحافة بالذات (الرياضية) منها، بل غازلني بمقال مطول في صحيفة الرياضة الأسبوعية التي كانت تصدر من صنعاء، صيف عام ٢٠٠٣، حين كتب: (وصلتني رسالة من شخص لا أعرفه يدعى (شكري حسين) كانت مرتبة الكلمات غزيرة الأفكار دقيقة المعاني محشوة بلغة جميلة ... إلى أن قال: (أتمنى أن أرى صديقي الذي لا أعرفه "صحفيًا" فهو يتفوق على كثير من الزملاء الذين نعرفهم منذ سنوات طويلة).
كان لوقع كلماته حينها أثر بالغ في نفسي، لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لي، للولوج في عالم الصحافة بشكل عام، لقيود كثيرة كانت تكبلني وتحول دون انطلاقتي رغم شغفي وهيامي الكبيرين بالصحافة والقراءة والمتابعة حد الوله، خصوصًا ما يتعلق بالرياضة منها
إلى أن جاءت الفرصة بعدها بشهرين تقريبًا حين التقيت "العولقي" في زنجبار وقد كانت الرسائل الورقية لغة التواصل الوحيدة فيما بيننا لعدم وجود الهواتف الخلوية يومها، ومن تلك اللحظة عرض عليّ الكتابة في صحيفة الرياضة الصادرة عن مؤسسة الثورة بصنعاء مصحوبة بسيل من كلمات المديح والإطراء، فكانت أول مادة صحفية تنزل باسمي وبمانشيت عريض: ( تطاول ليل حسان واسودّ جانبه ..) كاقتباس من الأبيات الشهيرة للمرأة التي اشتاقت لزوجها بعد أن أطال الغيبة عليها لذهابه في إحدى الغزوات في عهد الخليفة عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" فقالت:
تطاول هذا الليل واسوَدّ جانبه *** وآرقني الا خليل ألاعبه.
والله لولا خشية الله وحده *** لحرك من هذا السرير جوانبه .. إلى آخر تلك الأبيات.
لك المحبة يا عولقي، يا صاحب القلب الكبير المليان محبة "ومودة".