آخر تحديث :Tue-12 Aug 2025-02:42PM
رياضة

نجوم ولكن.. حين أطفأ كامب نو بريق ساحر ليفربول

الثلاثاء - 12 أغسطس 2025 - 10:10 ص بتوقيت عدن
نجوم ولكن.. حين أطفأ كامب نو بريق ساحر ليفربول
عدن الغد : متابعات

أغلى صفقة وأقسى خيبة في تاريخ البارسا!

في عالم كرة القدم، حيث تتشابك الأحلام مع الواقع، وتتأرجح النجوم بين سماء العز والنسيان، يبرز اسم فيليبي كوتينيو كقصة دراماتيكية تجسد التناقض العجيب بين التألق والإخفاق.

هذا الفتى البرازيلي، الذي أضاء سماء أنفيلد بمهاراته الساحرة، تحول إلى لغز محير في كامب نو، حيث تبددت آماله وآمال عشاق برشلونة في رحلة انتقال كلفت النادي الكتالوني أكثر من مجرد أموال.

هذه قصة كوتينيو، ساحر ليفربول الذي أبهر العالم، ثم خبا نجمه تحت وطأة التوقعات العملاقة والتحديات المتشابكة.

بداية ساحرة في أنفيلد

ولد فيليبي كوتينيو في ريو دي جانيرو عام 1992، ونشأ في شوارع البرازيل حيث تتشكل مواهب كرة القدم على إيقاع السامبا.

وانضم إلى إنتر ميلان وهو في سن السادسة عشرة، لكن تألقه الحقيقي بدأ عندما انتقل إلى ليفربول في كانون الثانى/يناير 2013 مقابل 8.5 مليون جنيه إسترليني فقط.

في ذلك الوقت، كان ليفربول يبحث عن هوية جديدة تحت قيادة برندان رودجرز، وكان كوتينيو بمثابة الشرارة التي أشعلت خيال جماهير "الريدز".

في أنفيلد، تحول كوتينيو إلى ساحر حقيقي، كان يتحرك بخفة الراقص، يراوغ المدافعين بسهولة، ويطلق تسديدات صاروخية من مسافات بعيدة.

تسديداته المنحنية، التي أطلق عليها المشجعون لقب "الصواريخ البرازيلية"، كانت تثير الدهشة وتُسكن الكرة في الزوايا العمياء للحراس، وكان يجمع بين الرؤية الثاقبة واللمسة الفنية، مما جعله القلب النابض لهجوم ليفربول.

وفي موسم 2016-2017، سجل 13 هدفًا وصنع 7 تمريرات حاسمة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وساهم في عودة ليفربول إلى دوري أبطال أوروبا تحت قيادة يورجن كلوب.

لم يكن كوتينيو مجرد لاعب موهوب، بل كان رمزًا للأمل، وجماهير ليفربول، التي عانت من سنوات من الإحباط، وجدت فيه نجمًا يستطيع قيادة الفريق إلى الأمجاد.

كما لقبوه بـ"الساحر الصغير"، وكانوا يغنون اسمه في المدرجات بكل فخر.. لكن، كما هو الحال في كثير من القصص الملحمية، لم تكن النهاية سعيدة.

في كانون الثانى/يناير 2018، تحقق حلم كوتينيو بالانتقال إلى برشلونة مقابل صفقة قياسية بلغت 142 مليون جنيه إسترليني، مما جعله ثاني أغلى لاعب في التاريخ في ذلك الوقت.

كان الانتقال بمثابة حلم لأي لاعب برازيلي، فبرشلونة ليس مجرد نادٍ، بل معبد كرة القدم الذي شهد تألق أساطير برازيلية مثل رونالدينيو وروماريو.

كوتينيو، الذي نشأ وهو يحلم بارتداء قميص البلوجرانا، رأى في هذه الخطوة فرصة لكتابة اسمه في سجلات التاريخ، لكن الواقع كان أقسى من الحلم.

ومنذ اللحظة الأولى، بدا كوتينيو غريبًا في كامب نو.. التوقعات الهائلة التي رافقت صفقته، إلى جانب الضغط الإعلامي والجماهيري، شكلت عبئًا ثقيلًا على كتفيه.

برشلونة، في تلك الفترة، كان يعيش تحت ظل ليونيل ميسي، الذي كان يهيمن على كل شيء في الفريق، وكوتينيو، الذي اعتاد أن يكون محور اللعب في ليفربول، وجد نفسه في دور ثانوي، يحاول التكيف مع نظام تكتيكي يعتمد على تمريرات ميسي السحرية وتحركات لويس سواريز.

التحديات التكتيكية والنفسية

أحد أكبر التحديات التي واجهت كوتينيو في برشلونة كانت عدم التوافق التكتيكي.

في ليفربول، كان يلعب كصانع ألعاب مركزي أو جناح أيسر، مع حرية كبيرة للتحرك والإبداع، أما في برشلونة، فقد تم استخدامه في مراكز مختلفة، منها وسط الملعب، وهو دور لا يناسب مهاراته الهجومية.

المدرب إرنستو فالفيردي حاول إيجاد مكان له في تشكيلة 4-4-2، لكن كوتينيو بدا كالسمكة خارج الماء، عاجزًا عن إظهار سحره المعتاد.

كما أن الضغط النفسي كان عاملًا آخر، كوتينيو، الذي كان محبوبًا في ليفربول، واجه انتقادات لاذعة من جماهير برشلونة والإعلام الكتالوني.

كل مباراة كان يلعبها كانت تحت المجهر، وكل تمريرة خاطئة أو تسديدة ضائعة كانت تُضخم لتصبح دليلاً على فشله، وبدأ يفقد ثقته بنفسه، وهو ما انعكس على أدائه.

وفي موسمه الأول الكامل مع برشلونة (2018-2019)، سجل 5 أهداف فقط في الدوري الإسباني، وهو رقم متواضع مقارنة بما قدمه في ليفربول.

حتى عندما سجل أهدافًا رائعة، مثل تسديدته الصاروخية ضد مانشستر يونايتد في دوري أبطال أوروبا، كانت ردود الفعل متباينة.

احتفل كوتينيو بوضع يديه على أذنيه أمام الجماهير، في إشارة تحدٍ للمنتقدين، لكن هذا التصرف زاد من التوتر بينه وبين الجماهير.

وبدأت العلاقة تنهار، وأصبح كوتينيو رمزًا للصفقات الفاشلة في برشلونة.

رحلة الإعارة إلى بايرن ميونخ

بحلول صيف 2019، أصبح من الواضح أن كوتينيو لم يعد مرغوبًا في برشلونة، وتمت إعارته إلى بايرن ميونخ، في محاولة لإعادة إحياء مسيرته.

في ألمانيا، استعاد كوتينيو جزءًا من بريقه، سجل 8 أهداف وصنع 6 تمريرات حاسمة في الدوري الألماني، وساهم في تتويج بايرن بلقب دوري أبطال أوروبا 2020.

لكن المفارقة المؤلمة جاءت في مباراة برشلونة ضد بايرن في ربع النهائي، حيث سجل كوتينيو هدفين في المباراة التي انتهت بهزيمة برشلونة التاريخية 8-2.. كان ذلك بمثابة طعنة في قلب عشاق برشلونة، الذين رأوا نجمهم السابق يتألق ضدهم.

وعلى الرغم من أدائه الجيد مع بايرن، لم يكن النادي البافاري مستعدًا لدفع مبلغ شراء عقده، فعاد كوتينيو إلى برشلونة في 2020، ليواجه نفس المشاكل القديمة، إصابات متكررة، أداء متقلب، وفقدان مكانته في التشكيلة الأساسية جعلته عبئًا على النادي.

العودة إلى إنجلترا والبحث عن الخلاص

في كانون الثانى/يناير 2022، انتقل كوتينيو على سبيل الإعارة إلى أستون فيلا، تحت قيادة ستيفن جيرارد، زميله السابق في ليفربول، وكانت هذه الخطوة بمثابة محاولة يائسة لاستعادة مستواه.

في فيلا، أظهر كوتينيو لمحات من تألقه القديم، لكنه لم يعد ذلك اللاعب الساحر الذي كان يذهل أنفيلد، وأصبح انتقاله دائمًا في صيف 2022، لكنه استمر في المعاناة من الإصابات وقلة الاستمرارية.

ولاحقًا، انتقل على سبيل الإعارة إلى الدحيل القطري، ثم عاد إلى البرازيل ليلعب مع فاسكو دا جاما، ناديه الأول، في محاولة لإعادة اكتشاف شغفه باللعبة.

دروس من رحلة كوتينيو

قصة فيليبي كوتينيو ليست مجرد قصة فشل، بل هي درس في تعقيدات كرة القدم الحديثة.. الانتقالات الكبرى ليست مجرد تغيير أندية، بل هي تحديات نفسية وتكتيكية قد تكسر أعظم المواهب.

كوتينيو كان ضحية التوقعات العالية، عدم التوافق مع فلسفة برشلونة، وسوء إدارة النادي الكتالوني في تلك الفترة، لكنه أيضًا تحمل مسؤولية جزء من إخفاقه، حيث بدا في بعض الأحيان عاجزًا عن استعادة ثقته وروحه القتالية.

اليوم، وهو في الـ33 من عمره، لا يزال كوتينيو يبحث عن الفصل الأخير في قصته. هل سيتمكن من استعادة سحره؟ أم أن اسمه سيظل مرتبطًا بتلك المفارقة الدراماتيكية: ساحر أنفيلد الذي تلاشى في كامب نو؟