تحوّلت حادثة استهداف السفينة التجارية "إيترنيتي سي" في مياه البحر الأحمر إلى واحدة من أكثر الكوارث البحرية دموية وإثارة للغضب الدولي، وسط اتهامات مباشرة لمليشيا الحوثي بارتكاب جريمة حرب مكتملة الأركان، عقب تنفيذ هجوم مزدوج أعقبه احتجاز الطاقم واستغلال معاناتهم في مشاهد وُصفت بأنها تنتهك أبسط القيم الإنسانية.
في الثامن من يوليو الجاري، تعرّضت السفينة لقصف مباشر بصواريخ بحرية وزورق مفخخ، بحسب ما أكدته بعثة "أسبيدس" الأوروبية المعنية بحماية الملاحة. وبعد يومين من الهجوم، اضطر الطاقم –المؤلف من 25 بحاراً بينهم 21 فلبينياً و3 من جنسيات روسية وهندية ويونانية– للتخلي عن السفينة، التي سرعان ما غمرتها مياه البحر الأحمر. وأشارت البيانات الأولية إلى مصرع أربعة بحارة، فيما لا يزال أكثر من 15 في عداد المفقودين.
غير أن المأساة لم تقف عند هذا الحد؛ فقد بثّت مليشيا الحوثي لاحقاً مقطعاً مصوراً زعمت فيه "إنقاذ" 11 من البحارة، بينهم اثنان مصابان، إلى جانب جثة أحد الضحايا. لكن الصور، التي أظهرت الناجين في أوضاع صحية وإنسانية متدهورة، اعتُبرت صادمة ومهينة، خصوصاً بعد ظهور أحد البحارة –يُعتقد أنه كهربائي روسي– بساق مبتورة وجروح خطيرة، في مشهد وصفه مراقبون بـ"الاستخدام الدعائي البشع لمعاناة الضحايا".
المنظمات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها هيومن رايتس ووتش، وصفت الحادثة بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني"، معتبرة أن استهداف المدنيين واختطافهم واستخدامهم في البروباغندا العسكرية يمثل جريمة حرب تستوجب المحاسبة. من جانبها، أكدت المنظمة البحرية الدولية (IMO) أن الحادثة تشكل "تهديداً خطيراً للملاحة الدولية وانتهاكاً للقانون البحري"، محذّرة من تداعيات أمنية وبيئية متفاقمة.
في السياق ذاته، أعلنت الحكومة الفلبينية مصرع ثلاثة من رعاياها وفقدان 13 آخرين، وأكدت فتح تحقيق رسمي، داعية المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لإنهاء هذا النوع من الانتهاكات. كما أدان المطران الفلبيني "روبرتو" ما وصفه بـ"الاستغلال غير الإنساني لمعاناة الأبرياء"، مؤكدًا أن أرواح البحارة "لا يجوز استخدامها كورقة سياسية أو مادة ترويجية".
الولايات المتحدة وصفت ما جرى بأنه "عملية خطف متكاملة الأركان"، وأكدت عزمها اتخاذ ردود مناسبة لحماية حرية الملاحة في البحر الأحمر، في وقت واصل فيه الحوثيون التهديد بتنفيذ ما أسموه بـ"المرحلة الرابعة" من استهداف السفن، وهي مرحلة وصفها مراقبون بأنها "غطاء دعائي لارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين".
وسط هذا التصعيد الخطير، تتسع دائرة الضحايا وتتآكل ثقة العالم بأمان الممرات البحرية، بينما يواصل المجتمع الدولي الاكتفاء بالتنديد دون إجراءات رادعة، تاركاً المجال مفتوحاً أمام مليشيا تتخذ من شعارات نصرة غزة غطاءً لانتهاكات جسيمة وخارجة عن القانون.