في خضم تحولات النظام العالمي، نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية مقالًا تحليليًا بقلم سيمون كيبر، تناول فيه موقع أوروبا في لعبة الشد والجذب بين القوى الكبرى، متسائلًا: "ماذا تريد الصين من أوروبا؟".
يشير الكاتب إلى المفارقة التي تشهدها الساحة الدولية، حيث تتخلى الولايات المتحدة تدريجياً عن النظام العالمي الذي أسسته، بينما تسعى الصين إلى تأسيس منظومتها الخاصة. وفي هذا السياق، تبقى أوروبا في حالة تردد، لم تحسم موقفها بشكل واضح تجاه الصين، رغم تصنيف واشنطن لبكين كـ"العدو الرئيسي"، بينما تضع أوروبا روسيا على رأس تهديداتها.
ويرى المقال أن غياب عدو مشترك أضعف من تماسك العلاقات الأوروبية الأمريكية، وألقى بظلال من الشك على أولويات السياسة الخارجية الأوروبية.
ويصف كيبر العلاقة بين الصين وأوروبا بأنها "قائمة على انعدام الثقة"، في ظل غياب القيم المشتركة وتنامي المخاوف من الدعم الصيني للحرب في أوكرانيا، واتهامات بالتجسس، وتفوق تقني لافت تجاوز القدرات الأوروبية.
ورغم الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الصيني، إلا أن نحو 5% منه – بحسب المقال – يعمل بكفاءة مذهلة، وخاصة في القطاعات التكنولوجية. وتبرز الصين اهتمامها العميق بالسوق الأوروبية، وتسعى لتصريف منتجاتها، لا سيما السيارات الكهربائية التي تشهد إقبالًا واسعًا في أوروبا بسبب جودتها وسعرها المنافس.
ورغم فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية على هذه السيارات، بدأت الشركات الصينية بإنشاء مصانع داخل أوروبا، خصوصًا في المجر، ما يهدد صناعة السيارات الأوروبية وملايين الوظائف، وقد يؤدي إلى صعود التيارات اليمينية المتطرفة، كما حدث في الولايات المتحدة، وفقًا للكاتب.
ويستبعد المقال التوصل إلى صفقة تجارية كبرى بين الجانبين في المستقبل القريب، مشيرًا إلى اختلال التوازن في التبادل التجاري لصالح الصين. إلا أن إمكانية التوصل إلى اتفاقات محدودة في مجالات مثل الطاقة المتجددة لا تزال قائمة.
في نهاية المقال، يؤكد كيبر أن أوروبا تقف أمام تحدٍ وجودي: كيف تحافظ على استقلاليتها وقيمها في عالم يزداد استقطابًا، وتحدد ملامح علاقتها مع قوة صاعدة لا تشاركها المبادئ، لكنها تتقاطع معها اقتصاديًا في مصالح يصعب تجاهلها.