في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة والمخاوف البيئية المتزايدة، تواصل اللجنة الوطنية للطاقة الذرية في اليمن غيابها التام عن المشهد الوطني، رغم أنها الجهة الحكومية الوحيدة المخولة قانونيًا بالإشراف على الممارسات الإشعاعية والنووية في البلاد، وتنظيم استخداماتها في القطاعات الصحية والزراعية والبيئية والصناعية.
ورغم إنشاء اللجنة بموجب قرارات حكومية رسمية، وتحديد أهداف استراتيجية واضحة، إلا أن عملها ظل معطلاً منذ سنوات، إذ لم تشهد اللجنة أي نشاط فعلي أو برامج على الأرض، في وقت يتوسع فيه استخدام المواد المشعة داخل اليمن وسط غياب الرقابة والمختبرات الوطنية المؤهلة.
وعلمت "عدن الغد" من مصادر مطلعة، أن اللجنة لا تمارس مهامها من مقر رسمي فعّال في العاصمة المؤقتة عدن، حيث يقتصر وجودها على شقتين منذ ثلاث سنوات دون تفعيل إداري أو فني. كما يغيب أمينها العام الدكتور عبدالله الشامي عن مقر اللجنة، ويقيم بين السعودية وأوروبا، متفرغًا للمشاركات الدولية المكثفة التي لا تعكس أي أثر ملموس على واقع العمل داخل اليمن، بحسب المصادر.
ويشير مختصون إلى أن اللجنة باتت محصورة في إطار السفر والمشاركات الخارجية، دون تنفيذ برامج وطنية أو أنشطة علمية أو تدريبية، رغم الدعم المتوفر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية، والتي تمنح اليمن عشرات الفرص والمشاريع المجانية سنويًا تشمل معدات وأجهزة متقدمة، إلا أن هذه المنح لا تجد طريقها إلى الجهات المعنية أو إلى الداخل اليمني.
وتؤكد مصادر إدارية أن الترشيحات للمشاركات الخارجية تتم بصورة شخصية ومخالفة للوائح، حيث يُمنح بعض الأفراد فرصًا باسم اللجنة رغم أنهم غير موظفين فيها، أو دون ترشيح رسمي من الجهات المختصة، في مخالفة إدارية واضحة تضعف أداء اللجنة وتُفقدها المصداقية أمام شركائها الدوليين.
كما أن اللجنة لم تقم بأي دور يذكر في الحوادث البيئية الأخيرة، ومنها التهديدات الإشعاعية في البحر الأحمر، أو خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية، في وقت كانت فيه نظيراتها في الدول العربية تقدم تقارير وتطمينات للمواطنين وتنشر الوعي حول السلامة النووية، في حين ظل اليمن غائبًا عن هذه الساحة رغم موقعه الجغرافي الحساس.
ورغم أن من مهام اللجنة ترخيص ورقابة المنشآت التي تستخدم مواد مشعة، وتأسيس نظام وطني للرصد الإشعاعي، إلا أن هذا الدور غائب تمامًا، ولا توجد أي مراقبة إشعاعية في الجمهورية اليمنية، وهو ما يثير القلق في حال حدوث طارئ أو تسرب نووي قد يمر دون اكتشاف.
وتعالت الأصوات الداعية لإعادة تفعيل اللجنة وتطهيرها من مظاهر الفساد والشلل الإداري، وتعيين قيادة متفرغة تمتلك الإرادة والقدرة على النهوض بدورها الحيوي، خصوصًا أن اللجنة تمثل وجه اليمن في أهم المنتديات الدولية المعنية بالسلامة الإشعاعية والنووية.
ويختم مراقبون بالقول إن اليمن اليوم في أمسّ الحاجة إلى مؤسسة وطنية نشطة تحمي الصحة العامة وتواكب العالم في مجال الاستخدام السلمي والآمن للطاقة الذرية، وأن استمرار إهمال اللجنة يعني استمرار تعريض البلاد لمخاطر غير منظورة دون أي استعداد أو وقاية.