رغم كل الشعارات التي تُرفع في المؤتمرات المحلية والدولية عن "تمكين المرأة اليمنية"، لا تزال كثير من النساء يواجهن واقعًا يوميًا من الإقصاء المُقنّع، حيث تُصاغ السياسات بعيون لا ترى الفروقات الجندرية، وتُنفذ البرامج بخطط لا تلامس واقع النساء، خصوصًا في بلد تمزقه الحرب ويعاني من انهيارات اقتصادية واجتماعية متراكمة.
في أنحاء متعددة من اليمن، تُمنح النساء فرصًا للتعليم والتدريب، ولكن دون امتداد عملي حقيقي في سوق العمل. يحصلن على الشهادات، يتخرجن من الجامعات، يُشاركن في الورش والمبادرات، لكن أغلبهن يجدن أنفسهن أمام أبواب مغلقة، بسبب غياب خطط مؤسسية لاستيعاب طاقاتهن أو تكييف السياسات العامة مع احتياجاتهن الخاصة.
ما يُعرف بـ"السياسات العمياء للجندر" هو واقع يومي تعيشه النساء اليمنيات، حيث تُتخذ القرارات بلغة محايدة تتجاهل أن النساء لا يقفن على خط انطلاق مماثل للرجال. فالقرارات التي لا تراعي الخصوصيات الجندرية تؤدي تلقائيًا إلى نتائج غير متكافئة، تُكرّس الفجوة بدلاً من ردمها.
تُستثنى النساء من فرص التوظيف تحت ذرائع "الظروف الأمنية" أو "ثقل المسؤولية"، بينما تُسلَّم المناصب لمن تربطهم علاقات قرابة أو من يتواجدون في دوائر النفوذ التقليدية، كاللقاءات القبلية والمجالس الذكورية. في حين يُستخدم الدعم الحكومي والمنح الدراسية، أحيانًا، على نحو يفضّل الذكور بصمت لا يثير الجدل لكنه يعمّق التمييز.
وفي المناطق الريفية، تواجه النساء حواجز مضاعفة؛ لا فقط بفعل التقاليد، بل أيضًا نتيجة غياب البنية التحتية، وندرة الفرص، وارتفاع معدلات الفقر. التعليم هناك ليس حقًا مضمونًا، والتوجيه المهني نادرًا ما يتجاوز الأدوار التقليدية المفروضة على الفتاة منذ طفولتها.
أما على المستوى السياسي، فتمثيل النساء في مواقع القرار لا يزال محدودًا للغاية. فحتى حين يُسمح لهن بالظهور، يكون الحضور رمزيًا لا ينعكس على توزيع النفوذ الحقيقي داخل المؤسسات، وسط تفشي ثقافة المحسوبية والتوريث السياسي.
الفضاء الرقمي الذي يُفترض أن يكون متنفسًا للنساء والشابات اليمنيات، تحوّل أيضًا إلى ساحة خفية لعنف إلكتروني غير مرئي، يتراوح بين التحرش والتشهير والتنمر، دون وجود أدوات ردع أو حماية قانونية فعالة.
وفي مقابل هذا الواقع الصعب، لا يزال هناك بصيص أمل في بعض المبادرات المحلية والمجتمعية التي تسعى لتفعيل مشاركة النساء في إعادة الإعمار والأمن والتنمية، عبر إدماج حقيقي وليس استعراضًا شكليًا.
لكن التحدي الأكبر يظل في إعادة صياغة السياسات العامة بمنظور عادل يُراعي الفروقات الجندرية، ويُدمج النساء فعليًا في التخطيط والتنفيذ والرقابة. فالعدالة لا تعني المعاملة المتساوية في الشكل، بل تعني إحداث التوازن في الفرص، وتحقيق الإنصاف في بلد لا تزال فيه المرأة تقاتل من أجل أن تُرى.