يسود قلق بالغ اليمن من عودة اضطراب الممرات المائية في البحر الأحمر وباب المندب، بالنظر إلى الحشود العسكرية والضربات الإسرائيلية المتكررة للموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وذكرت وسائل إعلام حوثية، أمس الاثنين، أن "سلسلة غارات للعدو الإسرائيلي استهدفت موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطة الكهرباء المركزية رأس عيسى". وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد وجه في وقت سابق، تحذيراً عاجلاً إلى المدنيين والموجودين في ميناءي رأس عيسى والصليف، إضافة إلى محطة كهرباء الحديدة، رأس الخطيب، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، بضرورة الإخلاء الفوري".
وقال الخبير الاقتصادي اليمني، رشيد الحداد، لـ"العربي الجديد"، إن ما يحدث يؤكد أن هناك نوايا إسرائيلية بالتصعيد البحري وإعادة البحر الأحمر إلى وضع الإشعال. وأضاف: "إسرائيل بدعم أميركي وبريطاني تتصدر المواجهة البحرية حالياً"، متوقعاً أن يشهد البحر الأحمر موجة جديدة من العمليات العسكرية خلال الفترة القادمة.
وقبل أيام حذرت الهيئة البحرية البريطانية سفن الشحن التجاري من الاقتراب من الموانئ الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين على البحر الأحمر، غربي اليمن، مذكّرة سفن الشحن المتجهة إلى موانئ رأس عيسى والصليف والحديدة، بأن المخاطر لا تزال مرتفعة، على الرغم من انخفاض مستويات التهديد المُبلغ عنها في منطقة الخليج خلال هذه الفترة. وأضافت الهيئة أن أي ضربات جديدة محتملة قد تطاول أهدافاً في هذه المناطق الساحلية، من شأنها أن تُلحق أضراراً جانبية جسيمة بالسفن التجارية الموجودة في هذه الموانئ أو بالقرب منها.
وبحسب الحداد، ليست هذه المرة الأولى التي تتصدر بريطانيا المشهد، بل سبق لها مساعدة أميركا، وحالياً تقف إلى جانب إسرائيل في العدوان على الموانئ ذات الطابع الإنساني في الحديدة.
ومع توقف الحرب بين إسرائيل وإيران، التي استمرت 12 يوماً بعد شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدواناً على المنشآت النووية الإيرانية واغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء في الطاقة النووية في الثالث عشر من يونيو/حزيران الماضي، يتوجس اليمن من توجه الصراع إلى الممرات المائية، حيث كانت التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ونقل المعركة إلى المضايق المائية بمثابة قنبلة موقوتة، ليس بالضرورة انفجارها أثناء الحرب والمواجهات المباشرة، بل فخّ يمهد لصراع قادم متجدد في الممرات المائية الدولية.
ويرى خبراء ومراقبون أن دول العالم، خاصة الدول العظمى، التقطت هذه الرسالة والتهديد على محمل الجِدّ، حيث سارعت بعض هذه الدول، مثل بريطانيا، إلى إرسال قطع عسكرية ضخمة تمركزت بالقرب من الممرات المائية الدولية في البحر الأحمر الذي تجري عسكرته بشكل متواصل، آخرها، كما تتحدث وسائل إعلامية، توجه أميركا لإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في هذه المنطقة المضطربة في المياه اليمنية.
بالمقابل، تشير توقعات خبراء في الشؤون البحرية والملاحة الدولية إلى أن الحركة ستتزايد في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ليكون ممراً بديلاً، إذ من المرجح أن السفن القادمة من الخليج أو الذاهبة إليه قد تلجأ إلى باب المندب، ما يعني اعتماداً أكبر على هذا الطريق.
الخبير الجيولوجي والاستشاري في المواد الطبيعية عبد الغني جغمان، قال لـ"العربي الجديد"، إن المواجهات الأخيرة والتهديدات بإغلاق مضيق هرمز، زادت من الأهمية الاستراتيجية للمياه اليمنية، خاصة قبالة سواحل تعز (مضيق باب المندب وجزيرة بريم/ميون)، وبالتالي زيادة التوتر العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن. الأهم في هذا الأمر، كما يتطرق جغمان، أن الضغط على مضيق بديل قد يؤدي إلى زيادة الوجود العسكري الدولي، مثل القوات الأميركية أو الأوروبية، لحماية الملاحة الدولية، وهو ما يلاحظ خلال الفترة الراهنة.
ويطل اليمن على واحد من أهم المضايق العالمية، إذ يطل على الطريق البحري لباب المندب، الرابط بين أهم قارات العالم الثلاث، كما أن موقع اليمن المطل على البحرين الأحمر والعربي يحتل أهمية جيوستراتيجية بالغة يجعلها محط أطماع الدول الكبرى ذات النفوذ العالمي، وفق محللين.
وقال الخبير الاقتصادي محمد علي قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، لـ"العربي الجديد"، إن هذا الاهتمام الكبير والتنافس الواسع للسيطرة على الممرات البحرية الدولية الواقعة في شواطئ اليمن البحرية، يؤكد أن المخطط يستهدف إبعاد الحوثيين من الشريط الساحلي للبحر الأحمر وموانئ الحديدة، وبالتالي تعزيز الوجود البحري للقوات البحرية الأميركية بقوات موالية لها في شواطئ الشريط الساحلي للبحر الأحمر، بما في ذلك موانئ البحر الأحمر والطريق البحري لمضيق باب المندب وجزيرة ميون المطلة على المضيق، إضافة إلى إخضاع الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر لنفوذ القوات المسلحة الأميركية والبريطانية.