آخر تحديث :الجمعة-03 أكتوبر 2025-11:07م
ملفات وتحقيقات

من تاريخ رجالات اليمن.. الساعات الأخيرة من حياة  الزبيري ( الحلقة الأخيرة)

الجمعة - 29 يوليو 2022 - 05:24 م بتوقيت عدن
من تاريخ رجالات اليمن.. الساعات الأخيرة من حياة  الزبيري ( الحلقة الأخيرة)
(عدن الغد)خاص.

إعداد / د. الخضر عبدالله :

تطرقنا في الحلقة الماضية كيف كانت  خطبة جمعة سببا في هروب الشهيد ( الزبيري ) إلى عدن , وكيف أنشاء  صحيفته التي أصدرها في هذه المدينة  عام 1946 م باسم صوت اليمن. . وخطة هروبه إلى باكستان التي قضى فيها خمس سنوات صعبة, عمل فيها  أستاذاً بجامعة كراتشي  و مذيعاً بصوت باكستان العربي" .

عودة إلى مصر

ولما قامت الثورة في مصر سنة 1952م اتصل بسفيرها الشاعر عبدالوهاب عزام ووافقت مصر على عودة (الزبيري) إليها، ومن صوت العرب تحدث إلى اليمنيين، وأنشأ الاتحاد اليمني الذي عطله عبدالناصر عام /1956م ؛ لكن لما عارض أحمد الوحدة بين مصر وسورية سنة 1958م بأرجوزة مشهورة سمح عبد الناصر للاتحاد باستئناف نشاطه الصحفي والإذاعي، لكن العلاقة بينه وبين عبدالناصر فترت حيث كان الزبيري يرفض الطغيان".

نشاط في اليمن

بعد ثورة سنة 1962م قام  البدر وأرجع (الزبيري) إلى اليمن بطلب من الضباط الثوار الذين كانوا بحاجة لشخصية مثل الزبيري تضفي على حكمهم شرعية يحتاجونها وسط أجواء مليئة بخصوم الثورة من الملكيين، واستقبل في صنعاء استقبال الزعماء، وعين وزيراً للمعارف، لكنه وجد في اليمن خليطاً من الأحزاب التي هي امتداد لأحزاب الجنوب الضالة، ووجد شعباً ممزقاً، ووجد خللاً في الثورة وضباطها، فاعتزل الوزارة، وآل على نفسه ألا يهدأ حتى تصلح الأوضاع.

وقرر ضباط الثورة أن يجندوا الشعب في تنظيم شعبي، وأوكلوا أمر إنشائه (للزبيري)، فقال :التنظيم لا بد له من مقرات وموجهين فمقراتنا المساجد وأعضاء التنظيم هم المصلون، والموجهون هم الأئمة والخطباء والعلماء، وجعل قاعدة الانطلاق الجامع الكبير في صنعاء، وكان يدخل الحارات وينادي في الناس فيجتمعون في المسجد فيأخذ عليهم اليمين، ويطلب منهم أن يختاروا أميناً للتنظيم، وأميناً للدعوة وأميناً للاتصال، فأمين الدعوة عالم، وأمين الاتصال شاب، ثم هناك جلستان في الأسبوع الاثنين، والخميس، فاستقطب بهذا علماء صنعاء، وعمل أعمالاً شعبية جيدة من تنظيف الحارات، واستقبال متطوعي الأطباء، وإقامة حلقات تحفيظ القرآن، وتسامع بذلك القبائل فطلبوا من (الزبيري ) أن يدخلهم في هذا التنظيم الشعبي إعجاباً بأعماله".

 مؤتمر عمران

وقد انزعج الروس من هذا التنظيم الجديد فطلبوا إلى القيادة العربية (المصرية) إيقافه فصدر الأمر بوقف العمل بالتنظيم فانزعج (الزبيري) لكنه لم ييأس، وطلب عقد مؤتمر شعبي يضم الملكيين والجمهوريين، واستطاع أن يجمعهم في عمران،  وقرر المؤتمرون إلغاء المحاكم العسكرية، وتكوين المحاكم الشرعية، وتكوين جيش شعبي من 28 ألف مقاتل يؤازر الجيش الرسمي، وصدر قرار بتكوين مجلس للشورى، وقرارات أخرى لضبط القضايا المالية وبعض الأمور السياسية الداخلية والخارجية، واتفق المؤتمرون على كيفية لتحويل القرارات من الورق إلى الواقع، عن طريق تكوين حكم برلماني تكون المسؤولية فيه لرئيس الوزراء، وفوض المجتمعون الزبيري لاختيار رئيس للوزراء، ووافق جميع أركان الدولة اليمنية على قرارات مؤتمر عمران لكن السلال كان في القاهرة، فلما عاد كان مخالفاً لبعض القرارات لكنه تحت الضغط الشعبي استجاب في الظاهر وماطل مماطلة كبيرة؛ فلم ينفذ ما اتفق عليه، والسبب في هذا أن المصريين لم يكونوا يرغبون في تنفيذ هذه القرارات وهم قوة السلال واعتماده كان عليهم".

اغتياله

ولما خاب أمل (الزبيري) في السلال أنشأ حزب الله ليجمع فيه الجمهوريين والملكيين؛ لكنه لم يستمر إلا ثلاثة أشهر انتهت باغتياله، واغتيل وهو مستعد لعقد مؤتمر في خمر عاصمة قبائل حاشد التي كان زعيمها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من أجل كتابة دستور جديد لليمن، فاغتيل في جبال برط وهو خارج من المسجد بعد صلاة الجماعة سنة 1384هـ في ذي الحجة 1965م ووفاء للزبيري اجتمع الشعب في مؤتمر وقرروا أن يكون الدستور قائماً على الإسلام..

وقد صرح القاضي الإرياني في هذه مذكراته  بقصة مقتل الزبيري ،.يروي أن النقيب ناجي بن عبد العزيز الشائف قد جاء هو ونقباء آل الشايف إلى الزبيري والإرياني والنعمان وهم في برط بضيافة النقيب أمين بن حسن أبو رأس ،وقد قدموا دعوة للقاضي محمد للقيام بزيارة بلدتهم (رجوزة)وكان القاضي محمد رحمه الله يعتذر ،ولعلّ بعض المخلصين من ذو محمد قد حذره من زيارة المنطقة لكنه أخذ التحذير على أنه بدافع التنافس بين قبيلتي ذو محمد وذو حسين .

ولما جئنا وجد النقيب ناجي بن عبد العزيز المناسبة أوسع فجدد الدعوة وأقسم على ذلك بالأيمان المحرجة كما هي الطريقة المألوفة ،وترك الأمر إلى القاضي محمد فوافق وحدد الوعد  ليوم الأربعاء 13/ 3”.وفي يوم الأربعاء تحرك (الزبيري) والإرياني والنعمان وآخرون إلى (رجوزة) مركز قبيلة ذو حسين ،وعند عودتهم من الضيافة أعدوا لهم فرسين وحماراً ،وأبى (الزبيري) الاّ أن يركب الحمار ،وترك الفرسين لصديقيه النعمان والارياني ،بحجة أنهم ضيوفه ،وبعد أن ابتعدوا مركز قبيلة ذو حسين بميلين سمعوا طلقة رصاص ،وقد كانت تلك إشارة وتنبيهاً للكمين بأن (الزبيري) وصحبه قادمون ،”وتقدمنا القاضي محمد على حماره مزهوا به ،لأن الخيل قد عجزت عن اللحاق به ،وحينما اشرفنا على قرية (رهيمات)ما بين(مداجر)و(رجوزة)و(لام)سمعنا عدة طلقات قريبة ونظرنا أمامنا فإذا بالقاضي محمد بن محمود الزبيري يهوي من على ظهر الحمار المشئوم وهو يقول الله الله الله ثلاثا ويفارق الحياة ...وهكذا فارق الشهيد الحياة في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم الخميس الموافق 1/ 4/ 1965م رحمه الله ورضي عنه ...أما القاتلان المجرمان وهما درهم بن حمود الفاحي من ذو حسين وحسن محمد الشتوي جار لذو حسين ،وقد تبين أنهما يترصدانه من قبل شهرين , ومع ذلك فقد جاء مشايخ القبيلة وأخذونا إلى ظل بيت بعيد عن مرمى القاتلين ،وتوافدوا كالمعتذرين يكسرون أجهزتهم (أغماد خناجرهم)ويقصون لحاهم تعبيرا عن تعييبهم من الحادث,.وقد كان النعمان والإرياني تحت فوهة بنادق القاتلين  ،الاّ انهما اتفقا مع الأمير محمد بن الحسين على قتل نفر واحد فقط ،وهو (الزبيري) .وبعد ذلك تم القبض على القاتلين ،ورفضت القبيلة تسليمهما لحكومة صنعاء ،واشترطوا تسليمهما إلى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ,وقد أودعهما الشيخ الأحمر في سجن “مهلهل”في حاشد، وهو من أعتى السجون منعة “ولكن لم يمض شهر على سجنهما حتى جاءت الأخبار بأنهما فرّا من السجن وأن محمد بن الحسين بعث لهما مبلغا من الذهب فرشيا الحرس وفر معهما أحدهم .وهكذا ظل دم الشهيد (الزبيري) وذهب ضحية مصانعة القبائل لبعضهم .وقد كان الشيخ عبد الله يبدي من المشاعر نحو (الزبيري) ما يعرب عن مدى تقديره بل تقديسه ،ولكن القلوب تتقلب وعلاقته مع قبيلة ذو حسين بل قبيلة دهم كلها كانت في نظر القبائل التي سهلت فرار المجرمين أهم من تحقيق العدالة والأخذ بثأر شهيد اليمن وأبي الأحرار محمد محمود  الزبيري أي إن دم الشهيد الزبيري لايساوي قبليا أكثر من قص اللحى وتكسير اغمدة الجنابي ،وتقديس الأحمر (للزبيري) لا يساوي شيئا أمام الروابط والالتزامات القبلية !ويبقى سؤال للإرياني كان ينبغي له أن يوضحه ،فالرعيني نبهه في تعز إلى ضرورة عودة (الزبيري) من برط إلى صنعاء لأنه سيقتل"

حياة زاخرة

كانت حياته ( الزبيري ) قصيرة؛ لكنها كانت زاخرة بالفكر والتربية والعطاء  وكان زاهداً يؤثر الزهد في شأنه كله، فقد أحضر له الضباط بعد الثورة أثاثاً من منزل الإمام، فرفض استلام شيء منه، وأصر في وزارته ألا يأخذ من مرتبه شيئاً فوق حاجته فمات وهو مدين، ومنحته الجالية اليمنية في السودان الذي كان يزوره من أجل الدعوة والإصلاح مبلغاً يستعين به على العيش فأصرّ على إرجاعه، ولما حج مع علي بن عبدالله الوزير مدح الملك عبدالعزيز بقصيدة اهتز لها ابنه سعود فأعطاه بضعة آلاف من الريالات وكانت مبلغاً كبيراً آنذاك فرفض العطية وأرجعها.

(والزبيري) رائد كبير من رواد الإصلاح في اليمن فهو أول من تقدم إلى الإمام يحيى ببرنامج إصلاحي، وأول من قاد معارضة منظمة، وأول وزير للتربية والتعليم، وأول من أنشأ حزباً، له أربعة كتب يتضح فيها فهمه للمنهج الإسلامي وشمولية دعوته، وسموّها على الوطنية والحزبية، وفيها تحدث عن الغزو الفكري وضرورة الأخذ بالعلوم الحديثة، وله ديوانا شعر، وآلاف المقالات والبحوث والخطب، قال عنه علماء اليمن :" له قدرة بارعة على تجميع الناس على اختلاف انتماءاتهم الحزبية أو القبلية، يبش في وجوههم، ويستمع إلى آرائهم، أحبه خصومه وأصدقاؤه.

ومن ريادته الواضحة أنه أنشأ أول مؤتمرات شعبية يشهدها العالم العربي كله وربما الإسلامي أيضا".انتهى