آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-02:53م
ملفات وتحقيقات

هكذا مات العلامة (مقبل الوادعي) الحلقة "الأخيرة"

الأربعاء - 09 فبراير 2022 - 03:09 م بتوقيت عدن
هكذا مات العلامة (مقبل الوادعي) الحلقة  "الأخيرة"
(عدن الغد)خاص.

إعداد / د. الخضر عبدالله "

حينما يموت العلماء يعتبر نكبة على الأمة الإسلامية، لأن في بقائهم الخير لهذه الأمة, أما عند ذهابهم فإن الشرور تكثر وأهل الباطل بجميع أصنافهم يجدون سبيلاً لترويج باطلهم، فعند وجود العلماء يكونون خامدين مدحورين وأثناء وفاة أولي العلم يكثر الخلاف والفرقة لأن الجهال يتصدرون ويريدون أن يكونوا هم العلماء هم أهل الفتوى والمرجعية.

مرض الوادعي ووفاته

يقول تلاميذه الذين رافقوه في مرض وفاته: "في السنوات الأخيرة من حياة الشيخ (الوادعي) هجمت الأمراض عليه هجمة شرسة، مع كبر سنه، ونحول جسمه، مما أدى إلى ضعف الحالة الصحية للشيخ، وفتوره عن بعض الأعمال، ومع ذلك كان صابراً مجاهداً، يدرس ويؤلف ويفتي، ويخرج دعوة إلى أن جاء يوم 17/ 7/ 2000م, الخامس عشر من ربيع أول لعام (1421) أصيب الشيخ بنزيف داخلي حاد، أثر مرض تليف الكبد، فأسعف إلى مستشفى الثورة العام بصنعاء, فتحسن (الوادعي) بعض الشيء، ثم قام بدعوة إلى الله في مدينة صنعاء في تلك الأيام، وكانت تبث المحاضرات بالهواتف إلى كثير من المراكز العلمية منها: مركز دار الحديث بدماج.

وكان يزوره رحمه الله في اليوم أكثر من ألف زائر وزاره كثير من المسئولين، وحصل خير كثير من هذه الزيارات، وذكر الشيخ الحجوري أن عسكري قال مرة لهم "من هذا الشيخ الذي يزوره كل هؤلاء الناس؟ يظن أنه شيخ قبيلة أو مسئول رفيع المستوى، ولا يدري أنها رفعة العلم" على حسب مرافقيه".

ويستطردون في أحاديثهم قائلين: "ثم نُصح الشيخ (مقبل بن هادي الوادعي) بالخروج للعلاج خارج اليمن، فغادر اليمن إلى السعودية، وكان السبب في الدخول إلى المملكة السعودية, واستقبل من وزارة الداخلية السعودية، وزاره جمٌ غفير من العلماء، وطلبة العلم، ثم أدخل مستشفى الملك فيصل التخصصي، ثم ذهب لأداء مناسك العمرة، ثم مكث في جدة أسبوعاً، طلب خلالها مقابلة الأمير: نايف، ثم أخبره بمرضه فنصحه الأمير بالتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتوجه إلى أمريكا يوم الخميس (21 سبتمبر 2000) فنزل في نيويورك، ثم توجه إلى لوس أنجلس غرب أمريكا، مكث بها عدة أيام، ثم قام بدعوة في تلك البلاد استفاد منها كثير من المغتربين اليمنيين، وكان يقوم بخطبتي الجمعة والصلاة، والإجابة على أسئلة الوافدين، والأسئلة التي تلقى عبر الهاتف".

ويضفون: "وفي يوم الإثنين (2000/ 10/ 2) دخل المستشفى وهو من أرقى المستشفيات في الولايات المتحدة، فأجرى الفحوصات، وقرروا زراعة الكبد وكان مؤهلا لزراعة الكبد، وسجلوه في قائمة الانتظار، ثم أجريت عملية منظار للدوالي، وألقى محاضرة عبر الهاتف إلى كل من صنعاء، ودماج، ومأرب، وكذلك ألقى محاضرة إلى بريطانيا، وإلى مناطق من أمريكا عبر الإنترنت، ثم أجري له علاج بالكي في المستشفى الجامعي، بعد أن رفض العلاج الكيماوي؛ لأنه يؤدي إلى تساقط الشعر، فمكث في هذا المستشفى خمسة أيام.

بعد إجراء هذه العملية حصل تحسن، فعاد إلى المملكة العربية السعودية في آخر شوال، بناءً على طلبه لأداء مناسك الحج والعمرة، فأتم الله له الحج والعمرة، وله موعد للرجوع إلى أمريكا، ولم يكتب له ذلك وكان رحمه الله يدعو الله كثيراً، أن لا يرده إلى أمريكا، وكان يقول: للموت أحب إلي من الرجوع إلى أمريكا. ورفضت الخارجية الأمريكية السماح له بالعودة، ثم عرض على (الوادعي) دولة أخرى، فأختار ألمانيا من أجل التقدم الطبي الذي فيها. وفي هذه الفترة كانت صحته قد تدهورت، وساءت، وذلك بسبب نصيحة من أحد أطباء الأعشاب، طلب منه التوقف عن الأكل والاقتصار على ماء زمزم، فلما رأى الأطباء في مستشفى الملك فيصل بجدة تدهور صحته، أمروا باستعجال سفره إلى الخارج، ولما تعذر سفره إلى أمريكا مرة ثانية، تم اختيار ألمانيا، فكان خروجه ليلة الخميس 28 يونيو 2001. فأدخل في مستشفى الجامعة في بون في قسم العناية المركزة، حيث كان قد تجمع في الشيخ ماء كثير بسبب مرض الاستسقاء، فأجريت له الفحوصات اللازمة، وسحب منه الماء، جاء البروفسور وهو من أكبر أطباء المستشفى، هو وطاقمه وقال حسب الفحوصات: "إن الشيخ ليس مؤهلا لزراعة الكبد، كما أن الكلى بدأت تضعف، ولا تقوم بعملها، وإن صحته ستسوء خلال هذا الأسبوع، ونصح باستعجال عودته إلى بلد". حسب قول تلاميذه.

فاتصلوا بالسفارة السعودية هناك، وأُعطي الشيخ العلامة (الوادعي) ومن معه تأشيرة دخول إلى المملكة، وكان قد ساء حاله ووقته بين النوم واليقظة. ومع ذلك كله جاء الزائرون من المسلمين من أغلب مدن أوربا، وطلب من كان معه أن يقرأ عليه كتاب الأذكار من رياض الصالحين، من أجل ما فيها من الخير. وطلب من أحد رفاقه أن يذكره بحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله". وكان يقول كثيراً: اللهم أحيني ما كنت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، ثم كتب رحمه الله الوصية".

وصية الوادعي قبل موته

لما شعر الشيخ العلامة (مقبل بن هادي الوداعي) بدنوا أجله كتب وصيته وكان من ضمن وصيته "أن يدفن بمقبرة العدل عند العلماء ابن باز، والعثيمين، وابن حميد". كما جاء في وصيته الأخيرة: "أوصي أقربائي جميعًا بالصبر والاحتساب، وليعلموا أن الله لن يضيعهم وعليهم بما علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أم سلمة أن تقول: "اللهم أبدلني زوجًا خيرًا من أبي سلمة" الحديث.

كما أني أوصي الأقرباء حفظهم الله ووفقهم لكل خير بأخينا الشيخ أحمد الوصابي خيرًا وألاَّ يصدقوا فيه، وأوصيهم بالشيخ الفاضل يحيى بن علي الحجوري خيرًا وألا يرضوا بنزوله عن الكرسي فهو ناصح أمين، وكذا بسائر الطلاب الحراس الأفاضل، وبقية الطلاب الغرباء؛ فهم صابرون على أمور شديدة يعلمها الله من أجل طلب العلم فأحسنوا إليهم فإن الله سبحانه وتعالى يقول: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، والغريب يتألم من أي كلمة لا سيما وبعضهم أتى من بلده متنعمًا فارفقوا بهم حفظكم الله.

وإياكم أن تختلفوا دعوا الأمر في مسألة الطرد لأحمد الوصابي والشيخ يحيى والحراس. وأوصي قبيلتي وادعة أعزهم الله بطاعته أن يحافظوا على دار الحديث فإنه يعتبر عزًا لهم، وقد قاموا بنصرة الدعوة في بدء أمرها فجزاهم الله خيرًا.

وأوصي إخواني في الله أهل السنة بالإقبال على العلم النافع والصدق مع الله والإخلاص، وإذا نزلت بهم نازلة اجتمع لها أولو الحل والعقد: كالشيخ محمد بن عبدالوهاب والشيخ أبي الحسن المأربي، والشيخ محمد الإمام، والشيخ عبدالعزيز البرعي، الشيخ عبدالله بن عثمان، والشيخ يحيى الحجوري، والشيخ عبدالرحمن العدني، وأنصحهم أن يستشيروا في قضاياهم الشيخ الفاضل الواعظ الحكيم الشيخ محمد الصوملي فإني كنت أستشيره ويشير علي بالرشد.

وذكر في وصيته: "وأطلب من جميع من ذُكر ومن سائر أهل السنة المسامحة خصوصًا طلبة العلم بدماج فإني ربما آثرت بعض المجتهدين ولكن لا عن هوًى.

واعلموا حفظكم الله أني خرجت إلى اليمن لا أملك شيئًا فعلى هذا فالسيارات ومكائن الآبار لمصلحة طلبة العلم تحت نظر السيخ أحمد الوصابي والشيخ يحيى الحجوري، والإخوة الحراس ينفذ أمرهم إن لم يختلفوا.

هذا وأسأل (الله) أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة وأن يعيذنا وإياكم من فتنة المحيا والممات، إنه على كل شيء قدير".

ويسترسل تلاميذ الوادعي: "وبعد وصوله جدة وفي صباح الأربعاء (17/ 7/ 2001م) دخل في الغيبوبة المستمرة وفي حالة الاحتضار لقنه الشيخ: عبد العزيز الجهني الشهادة في أذنه، فتحرك لسانه بالشهادة، وتبسم ابتسامة ظن من حوله أنه يضحك، وأنه سيتكلم، ولكنه كان في النزع الأخير، ثم قبضت بعد ذلك روحه وعادت إلى بارئها، بعد مغيب شمس يوم السبت، ودخوله ليلة الأحد (من غره جماد أول 1422)، ولم يبلغ السبعين من العمر، ثم حمل إلى مكة، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الفجر، وحمل إلى مقبرة العدل، وتعثر المرور بالجنازة نظراً لكثرة المشيعين، وعلى رأسهم الشيخ ربيع والشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا، والشيخ صالح بن عبد الله بن حميد".

مشايخ الوادعي

وقد تتلمذ العلامة الوادعي على يدي العديد من المشايخ والعلماء ومن أشهرهم:

1 - العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله.

2 - العلامة الفقيه والمحدث عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله.

3 - الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي - رحمه الله.

4 - الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.

5 - الشيخ حماد بن محمد الأنصاري.

6 - الشيخ يحيى بن عثمان الباكستاني، وهناك الكثير من المشايخ الذي أخذ الوادعي منهم العلوم الإسلامية.

مؤلفاته

وله من الكتب في فنون متشعبة، وأبواب متفرعة وإليك ما طبع منها:

( أ ) في التفسير:

1 - تحقيق وتخريج مجلدين من "تفسير ابن كثير" إلى سورة المائدة والباقي يقوم به الطلاب.

2 - الصحيح المسند من أسباب النـزول.

(ب) في العقيدة:

3 - الشفاعة.

4 - الجامع الصحيح في القدر.

5 - الصحيح المسند من دلائل النبوة.

6 - صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال.

7 - السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة.

8 - رياض الجنة في الرد على أعداء السنة.

9 - الطليعة في الرد على غلاة الشيعة.

10 - بحث حول القبة المبنية على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

11 - الإلحاد الخميني في أرض الحرمين.

12 - فتوى في الوحدة مع الشيوعيين.

13 - إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن، حاشية على الرسالة الوازعة للمعتدين ليحيى بن حمزة.

14 - ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر.

15 - المخرج من الفتنة (1). (1) وقد تراجع عن رأيه في الحكومة السعودية في مقال سماه (براءة الذمة). 

16 - هذه دعوتنا وعقيدتنا.

17 - إيضاح المقال في أسباب الزلزال.

(ج) في الحديث ومصطلحه:

18 - الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، في مجلدين صنعه على عينه صنع من طب لمن حب وقد رتبه ترتيباً فقهياً في ستة مجلدات سماه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين".

19 - تتبع أوهام الحاكم في المستدرك، التي لم ينبه عليها الذهبي في خمسة مجلدات مع المستدرك.

20 - تحقيق ودراسة الإلزامات والتتبع للدار قطني.

21 - تراجم رجال الحاكم الذين ليسوا من رجال تهذيب التهذيب، في مجلدين.

22 - تراجم رجال الدار قطني الذين ليسوا في تهذيب التهذيب، ولا رجال الحاكم، وشاركه بعض تلامذته.

23 - نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة.

24 - المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح. وهناك العديد من المؤلفات التي لم تتح الفرصة لذكرها.

حياة الوادعي تنطوي عامرة بالخير

وإن الأمة الإسلامية قد فقدت عالماً من هؤلاء العلماء الأفاضل فقدت عالماً مجاهداً مجدداً إنه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-.

وبعد هذا تنطوي حياة عامرة بالخير والعطاء للإسلام والمسلمين، وقد ترك الشيخ العلامة (مقبل الوادعي) تركة مباركة من العلماء الأفذاذ، الذي يذبون عن السنة، وعن دين الله. وكذلك خلف الآلاف من الطلاب المستفيدين- فرحمه الله رحمة الأبرار.