آخر تحديث :الجمعة-27 يونيو 2025-12:47م

وحدة بنت!

السبت - 01 مارس 2014 - الساعة 08:20 م
عبد السلام بن عاطف جابر

بقلم: عبد السلام بن عاطف جابر
- ارشيف الكاتب


هكذا تقول الأعراب عندما تبالغ في وصف شيءٍ جميل ؛ وهكذا يجيب الجنوبيون إذا سألهم سائل لبناني أو خليجي عن الوحدة اليمنية . . .

نقولها مضمرين معناها كما هو اللفظ "بنت كلب" وهم يفهمونها على ما اعتادوا عليه . . .

فالتاريخ يذكر قصة انتقال علي بن الجهم من البادية إلى مدينة بغداد ؛ عندما مدح الخليفة العباسي في أول يوم ، فقال

أنت كالكلب فى حفاظك للود         وكالتيس في قراع الخطوبِ

أنت كالدلو  لا عدمناك  دلواً         من  كبار الدلا  كثير الذنوبِ

ولم يغضب الخليفة ، بل أمر له بما يكفيه من المال وبيت على ضفاف  دجلة ...!   وبعد عام طلبه الخليفة إلى مجلسه فأنشد قصيدته الرائعة التي مطلعها ؛

عيون المها بين الرُصافة والجسر      جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

أعـدنَ لي الشـوق القـديم ولم أكـن      سَلَوت ، ولكـن  زدن  جمراً على جمرِ 

وهكذا حالنا  مع العرب . . . 

لا نملك إلَّا الصبر عليهم ومجاراتهم  حتى يفهموا كما فهم علي بن الجهم . . .

وسنجاري قراراتهم العدائية بعد قرار مجلس الأمن 2140 تحت الفصل السابع . . .

حالنا حال الإمام أحمد مع الزعيم عبد الناصر رحمهما الله ؛ فعندما شك الإمام أن الزعيم يضمر الشر له ، وأنه قد لايتركه يغادر الإسكندرية إلا مقتولاً  ؛ قال  [ماقاله البجباشي ماشي] ففهمها الزعيم بمعناها المصري "نعم" الموافقة على كل مايقوله . . . وعندما وصل الإمام إلى صنعاء سالماً ؛ أفضى للمصريين بمعناها اليمني "لا" الرفض .

 

إن الأخوة العرب والمسلمين لا يقفون مع الوحدة اليمنية لأنهم يكرهون الجنوبيين....؟ بل بسبب محدودية المعلومات عن المظالم التي وقعت في إطار دولة الوحدة . وانعدام المعلومات جعل العاطفة تسيطر على مواقفهم . فالوحدة العربية والإسلامية في ضمير كل عربي ومسلم . . . ونحن مثلهم ؛

أتذكر قبل ١٥ سنة كنت ضد انفصال جنوب السودان , وعندما  قابلت أحد أبناء الجنوب وشرح لي مآسيهم . . .  وعرضت  ماسمعته على  أحد  أبناء  شمال السودان.....؟ قال :  نحن  عرب  وهم  أفارقة  ولا أخفيك  أننا  نعتبرهم  عبيد.....! وهنا غيَّرت رأيي .

إن أشقائنا في جنوب السودان لم يقرروا الانفصال إلا بعد أن وقف العرب والمسلمون موقفاً عدائياً منهم ، فتبرءوا  من  العروبة  ومن الإسلام . وارتموا في أحضان إسرائيل.....!  

 

كذلك كان حال العرب والمسلمون في قضية بنجلادش ؛

حاز الشيخ مجيب الرحمن  وحزبه على الأغلبية في انتخابات ١٩٧٠ في باكستان ؛ فرفض الحزب الحاكم برئاسة ذو الفقار علي بوتو "رئيس الوزراء"  تسليم السلطة لحكومة مجيب الرحمن -الحائزة على الأغلبية- وأيده  في الرفض  الجنرال يحي خان -رئيس الجمهورية-  وسجنوا  مجيب الرحمن  بدعوى أنَّه انفصالي.... وأيدهم العرب....!

لم يكن مجيب الرحمن حينها انفصالي كما يقولون

بل هي العصبية القبلية ؛ لم يقبل البنجابيون تسليم السلطة لبنغالي.....!   

وحينما  قابل الشيخ مجيب الرحمن معلمنا الكبير حسنين هيكل  بعد انفصال بنجلادش في  عام  ١٩٧٣ ؛  شكى  إليه الموقف العربي . . . وقال : [هل الجريمة  أن  أُطالب  بالحرية  لشعبي  أم  الجريمة  أن  يقتلوا  شعبي...؟ هل  من  الإسلام أن  يبنوا  بلادهم  ويثروا من  ثروات  بلدي..؟  وشعبي  يعيش  في  فقر  وفاقة  وتهجير...؟]

هكذا كان الموقف العربي سبباً في انفصال بنجلادش .

لقد وقفوا مع الرئيس يحي خان الذي كان معروفاً بالفسوق وشرب الخمور ؛ وتخلَّوا عن الرجل المؤمن العابد مجيب الرحمن......! ودفعوه قسراً للارتماء في أحضان الهند عدوة باكستان وكان الانفصال  

لقد أيد المعلم -هيكل- انفصال بنجلادش ؛ وقال  [إننا  لا نستطيع  باسم  الحرية  أن  نمزق  الوحدة . ولكننا  لانستطيع  باسم  الوحدة  أن  نقتل  الحرية]  ويرى -هيكل- أن  عدم  القدرة  على  فهم  المعادلة  بين  الوحدة  والحرية  قد  يتسبب  في انقسامات . . .

انتهى كلام الأستاذ هيكل.

وأنا مع هذا الرأي الراجح ؛ لأنَّه السبب الرئيسي لفك الارتباط مع الجمهورية العربية اليمنية . 

 

ختاماً ؛

على  العرب  إعادة  النظر  في  مواقفهم  من  القضية  الجنوبية . قبل  أن  يعيد  الجنوبيون  النظر  في  مواقفهم  العربية....؟

لقد وقف الجنوبيون مع مصر في حرب ١٩٧٣ ؛ فسلَّموا  بحارهم  وموانئهم  وجزرهم  وباب المندب  للجيش المصري . وبسبب هذا الموقف بدأ التآمر الدولي منذ ذلك الحين  لتدويل  باب  المندب . . . وقف الجنوبيون هذا الموقف المشرِّف مع مصر وغضُّوا الطرف عن دورها الداعم لليمن الشمالي في حرب ١٩٧٢ ؛ عندما أمدُّوها  بالخبراء  والدبابات  والمدافع  ومختلف  الأسلحة .

وهنا أتسائل ؛ إلى أين سيدفع العرب بالجنوب....؟

إلى حيث دفعوا جنوب السودان أو إلى حيث دفعوا بنجلادش....؟

أو إلى النهج الرائج في المنطقة ؛ الدين الصفوي السياسي...؟

 

أتمنى أن يُغيّر العرب مواقفهم . . .

وسيصمد الجنوبيون على عروبتهم  ؛ ولن تكون الجنوب يهودية ولا صفوية ولكن العرب تخلَّوا عنهم ولم يساعدونهم وتمسكوا بوحدة بنت كلب .

لا حول ولا قوة إلَّا بالله