آخر تحديث :الأربعاء-21 مايو 2025-02:39م

قراءة في إسم عدن

الأحد - 01 سبتمبر 2013 - الساعة 05:22 م
عفيف السيد عبدالله

بقلم: عفيف السيد عبدالله
- ارشيف الكاتب


عدن من أ قدم مدن وموانئ العالم التاريخية والحية. وقد أمضى شعبها المدني والمتحضرعبر التاريخ  في الإنشغال الجاد والمنظم في التنمية والتجارة وإدارة ميناء مدينته الطبيعي المميز ذو الموقع الإستراتيجي الملائم بين أوربا والشرق.  ويلفظ إسم عدن في أربع صور Adan, Adin, Adon,  وAydan

        

 

 

وعندما يتعلق الأمر بإسم عدن فهناك أكثر من قصة واحدة تروى .. وقد ورد إسم عدن في التوراة, كتاب العهد القديم . . حزقيال الأصحاح 27 الآية 22 (592 قبل الميلاد), في إشارة إليها كمركز تجاري .  وتشير بعض المراجع إلى أن عدن كلمة عبرية, ومعناها شئ له جاذبية خاصة,  ويفيد أصحاب اللغة إلى وجود علاقة  صلة بين اللغتين العبريه والعربية من علاقتهما مع اللغة الآرامية القديمة.  ومن المؤكد أن  يهود عدن ظهروا في القرن الميلادي الثاني (200م), في منطقة آنذاك كانت مأهولة بقبائل لاتعد, وكان الدين السائد فيها هو الوثنية.  وتمتع يهود عدن بثقل تاريخي هام منذ ذلك التاريخ حتى خروجهم من عدن في يونيو عام 1947 ثم في سبتمبر عام 1967.

 

 

 وتثبت الحفريات في بيت شاريم في فلسطين المحتلة على تمركزهم في عدن في فترة الميشنا اليهودية (القرن التاني - التالث الميلادي).  وفي القرن العاشر برزت علاقتهم الوثيقة مع بابل في مملكة ميسوبوتاميا اليهودية (العراق), وأمتد نفوذهم إلى هناك وإلى فارس حتى القرن الثالت عشر.  كما يعود تاريخ بعض شهود  قبور وجدت لهم في عدن إلى القرن التاني عشر ميلادي. وقد أحتوى كنيس القاهرة التاريخي في مصر عند إكتشافه في عام 1896م على وثائق مذهلة خلال فترة الحكماء اليهودية, تظهر في واحدة منها تعليمات من مالون بن بندار Bendar Madon Ben إلى هلفون بن هاليفي Helfon Ben Halevi تشير إلى مجموعة يهود صغيرة أستقرت في عدن من عام 1083 إلى عام 1173.  ووثائق أخرى منها رسائل من أحبار مصر موجهة الى جماعة اليهود في عدن وجماعات أخرى, يطلبون فيها منهم الدعم المالي لمؤسسات الجماعات اليهودية في مصر.

 

 

وعندما كانت تنطلق من عدن قوافل البخور واللبان والبهارات والأعشاب الطبية , في عهود بابل وآشور والفرس والرومان واليونان وهي منتجات مصدرها الأساسي الهند و القرن الإفريقي, والتي كانت ثمينة وهامة في حياة الشعوب القديمة, أطلق الرومان على عدن الإسم  Eudaemon , ويعني السعيدة.  وكانت سعيدة أيضا السيدة أروى في عهد الدولة الصليحية, عندما جمعت ثروة هائلة من ميناء عدن بعد أن أمر زوجها المكرم أحمد  بتخصيص نسبة ضئيلة من مدخوله لها.

 

وكانت بداية فترة إزدهار مملكة قتبان عندما أستخدمت ميناء عدن في القرن الرابع قبل الميلاد, ومن هذه الفترة تأتي أغلب نصوص المملكة الطويلة وأغلب نصبها التذكارية.  ويؤكد هذا ما ترويه معظم الروايات والمراجع  بأن عدن عاشت في سلام وبحبوحة, وفي لين ونعمة عبر تاريخها كله الممتد آلآف السنين, فيما عدا ثلاث فترات تاريخية قصيرة سوداء وبائسة, وعاش أهلها في ذل ومهانة, وتحول خلالها أحد أكثرموانئ العالم كفاءة ونشاط إلى خرابة بعد أن كانت تخرج من نواصيه تجارة عظيمة, عندما حكمها الاتراك, وسلطان لحج, والحزب الإشتراكي اليمني, بما في الأخيرة تركة نظام الوحدة الفاسد.

 

وبعد إحتلال نابليون لمصر, والذي أعتبره الإنجليز تهديدا لخطوط مواصلاتهم مع الهند, أنشأوا في عام 1800 حامية عسكرية لهم في عدن,  وفي عام 1802 وقعوا إتفاقية حماية مع حاكمها آنذاك سلطان لحج محسن فضل , الذي عرض إبنه عليهم المدينة بعد وفاة ابيه  كتعويض مقابل البضاعة التي تم الإستيلاء عليها من السفينة داريا دولت الراسية في الميناء والمملوكة لشركة الهند الشرقية البريطانية, بعد أن عجز والده دفع التعويض المطلوب, فرفض الإنجليز العرض في البدء, ثم أستولوا على المدينة لاحقا في 19 يناير 1839 بقيادة القبطان ستافورد هينس- وأطلق عليها الإنجليز الإسم Aden وهو مشتق من اللغة الكلتيه (السلتيه) التي يتكلمها أهالي إيرلندا وويلز, ويعني النار الصغيرة.  والإسم Aden  يستخدم في الغرب كإسم للولد و البنت.

 

 

وفي الولايات المتحدة الإمريكية ينتشر إستخدامه أيضا كإسم عائلة, ويأتي ترتيبه شعبيته هناك بين الأسماء في المرتبة 15,003 من أصل 88,799 إسم, حسب إحصاءات الولايات المتحدة الإمريكية لعام 1999. 

 

 

وقد جذبت مدينة عدن أنظار العالم, وأثرت فيه وتأثرت به, وجعلت المؤرخين يتحدتثون عنها بكثير من الإعجاب والإنبهار. زارها إبن بطوطة في العام 1331م ووصفها بالمركز التجاري القوي, ومدحها ماركو بولو عندما زارها في عام 1285, وكذا الرحالة الايطالي المشهورVarthema  Di في عام 1504 الذي كتب أن لها حصون قوية وأهلها أثريا جدا. وقبل ذلك بنحو ألف عام كانت قد ذكرت أيضا في الشعر الجاهلي قبل الإسلام ومنها قصيدة الأعشي الذي أستجار بشريح إبن السموأل وقال فيه هذا الشعر المشهور:

 

شريح لا تتركني  بعدما علقت    حبا¬لك اليوم  بعد  القد  أظفاري  قد جلت ما بين بانقيا الى عدن    وطال في العجم تدردادي وتسياري  وعند إستعراض تاريخ اليمن القديم, تؤكد الشواهد أن اليمن إسم  شامل وللدلالة العامة على المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية في مقابل إسم الشام الذي يشمل المناطق الشمالية, وأن دولة في منطقة جنوب اليمن لم توجد قبل عام 1967, كما لم توجد دولة موحدة تضم الشمال والجنوب قبل عام 1990. ويفيد هذا ضمنا أن موضوع الأصل والفرع ليس سواء هراء.

 

 

  وما وجد على مسرح الحوادث آنذاك في فترات متداخلة ومتعاقبة هو رسم مختلف الألوان من دول وممالك غير متماسكة ومتصارعة أحيانا كثيرة مع جاراتها, ومن ولاءات مختلفة تتراوح بين النظام القبلي والنظام المركزي والنظام العام الفوضوي الجامح.  وترتب عن ذلك في المنطقة تشكيلة متنوعة من التجارب واللهجات والثقافات المتنوعة والمتباينة.  لذا حين يعود المؤرخون بأنظارهم إلى الوراء تظغى وحدها تجربة عدن كمدينة دولة معولمة, مستقرة ومترفة.

 

 

 الآن ونحن في نقطة تحول كبرى, على أبناء عدن أن يتركوا ثقافة الصبر والفرجة, واللجوء إلى كل طرائق التعبيرعن إرادتهم, والنظر بمسئولية إلى مستقبل أجيالهم القادمة.  ومن رجاحة العقل أن يختاروا صيغة سياسية صائبة لعدن, متسقة مع تاريخها, ومع ثقافتها الشعبية المتميزة, وتخرجها من عباءة الاخرين, وتخلص عدن من نفوذهم الكريه على الأرض, وتعيد لأبناء عدن حقوقهم كاملة, وحقهم في إدارة مدينتهم كمدينة دولة كما جرى بطول تاريخها, مهما كان نتائج الحراك الجنوبي أو إستنتاجات ومخرجات مؤتمر الحوار القائم. وهو حق لامراء فيه.