يقف الجنوب اليوم، ولأول مرة في تاريخه الحديث، أمام لحظة تاريخية فارقة، لحظة تتقاطع فيها إرادة الشعب مع المعطيات السياسية والعسكرية، لتعلن بوضوح أن زمن الوصاية والتهميش قد ولى، وأن ساعة تقرير المصير قد اقتربت دون رجعة.
لقد عبّر الشعب الجنوبي عن موقفه بجلاء، من خلال الحشود الجماهيرية الواسعة التي ملأت الساحات وميادين الاعتصام المفتوح في مختلف محافظات الجنوب، في مشهد غير مسبوق أكد أن الإرادة الشعبية باتت العامل الحاسم في رسم المستقبل.
هذا الزخم الشعبي، المترافق مع إنجازات سياسية وعسكرية نوعية، يعكس حجم التحول الذي شهده الجنوب بعد عقود من المعاناة منذ حرب 1994، وما تلاها من إقصاء ونهب للثروات وفرض ما عُرف بـ"وحدة الغنيمة والفيد".
وعلى الصعيد الميداني، شكّلت التحولات التي أعقبت ذكرى الاستقلال المجيد في 30 نوفمبر محطة مفصلية، حيث تمكنت القوات الجنوبية من بسط سيطرتها على محافظات حضرموت الوادي والصحراء والمهرة، واستكمال السيطرة على كامل التراب الجنوبي.
هذا الواقع الجديد جعل صوت الجنوب مسموعًا ومؤثرًا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ولم تعد قضيته ملفًا مؤجلًا، بل حقيقة سياسية قائمة بات العالم مطالبًا بالتعامل معها بجدية.
إن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره حق عادل ومشروع، ومكفول وفق القوانين والأعراف الدولية، ولا يمكن القفز عليه أو الالتفاف حوله عبر حلول ناقصة أو تسويات مفروضة لا تعكس جوهر القضية.
ومن هنا، فإن المسؤولية التاريخية تفرض على أبناء الجنوب كافة، في الداخل والخارج، تجاوز الخلافات الضيقة، وإحياء ثقافة التصالح والتسامح، ورص الصفوف خلف قيادتهم السياسية الممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، الذي بات يحظى بقبول شعبي واسع وحضور خارجي متنامٍ.
وفي المقابل، فإن إعلان الدولة لا يكتمل بالسيطرة العسكرية أو الزخم الجماهيري وحده، بل يتطلب معالجة حقيقية وملموسة لقضايا الناس اليومية، من كهرباء ورواتب وخدمات ومعيشة كريمة.
وهو التحدي الأبرز الذي يجب أن تتعامل معه القيادة الجنوبية بجدية وتسارع، لترسيخ الثقة بين الدولة المنشودة والمواطن.
يمكن القول إن الجنوب قد حقق انتصارًا سياسيًا وشعبيًا وعسكريًا، ولم يتبقَ سوى استكمال هذا المسار عبر انتزاع الاعتراف الدولي، وهو هدف يبدو أقرب من أي وقت مضى، في ظل الثقة بقدرة القيادة الجنوبية على إدارة دولة مسؤولة، قادرة على رعاية مصالح شعبها، وبناء شراكات موثوقة مع محيطها الإقليمي والعالم.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور الدول الراعية للملف اليمني، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف العربي، في احترام إرادة الشعب الجنوبي، وتمكينه من حقه في تقرير مصيره واستعادة دولته، بعيدًا عن العناد أو فرض معادلات أثبتت فشلها.
فحل القضية الجنوبية حلًا عادلًا يشكل المدخل الحقيقي لحل الأزمة اليمنية برمتها، كما أن استقرار الجنوب يمثل ركيزة أساسية لأمن المنطقة، وأي اضطراب فيه سينعكس سلبًا على الأمن القومي الإقليمي، في ظل أطراف متربصة تسعى لاستغلال الفوضى.
إن الجنوب، شعبًا وقيادة، يقترب اليوم من تحقيق حلم طال انتظاره، حلم الدولة والكرامة والسيادة.
وما بين النصر على الأرض والاعتراف الدولي، تمضي مسيرة شعب أثبت أنه جدير بحقه، وقادر على صون استقراره، وشريك موثوق في صناعة السلام الإقليمي.