آخر تحديث :الإثنين-29 ديسمبر 2025-02:06ص

انسحاب شجاع أم صدام خاسر؟… رسالة خالد بن سلمان تضع النقاط على الحروف

الأحد - 28 ديسمبر 2025 - الساعة 09:37 م
عبدالجبار باجبير

بقلم: عبدالجبار باجبير
- ارشيف الكاتب


تأتي رسالة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودي، لتجدد التأكيد على ثبات موقف المملكة العربية السعودية تجاه اليمن أرضًا وإنسانًا، وتجاه حضرموت والمهرة على وجه الخصوص، باعتبارهما عمقًا استراتيجيًا وخط دفاع مهمًا لأمن المنطقة واستقرارها.

لقد وضعت الرسالة الأمور في نصابها الصحيح؛ إذ ذكّرت الجميع بأن تدخل التحالف العربي جاء استجابة لطلب الشرعية اليمنية، وبهدف إعادة الدولة وبناء مؤسساتها، وليس لصناعة صراعات جديدة أو فرض وقائع بالقوة. كما أكدت الرسالة بوضوح أن تحرير المحافظات الجنوبية كان جزءًا من معركة استعادة الدولة، وليس مدخلًا لإضعافها أو تفتيتها.

واحدة من أهم النقاط التي حملتها الرسالة هي اعتراف المملكة بأن القضية الجنوبية قضية سياسية عادلة، تحتاج إلى معالجة عبر الحوار والتوافق، لا عبر المغامرات العسكرية أو توظيفها في صراعات لا تخدم الجنوب ولا اليمن. وهو تأكيد يعكس احترام المملكة لتطلعات الجنوبيين، وفي الوقت نفسه حرصها على أن يتم الحل ضمن إطار الدولة وبطريقة تحفظ الحقوق للجميع.

كما شددت الرسالة على أن اتفاق الرياض، ونقل السلطة لاحقًا، مكّنا الجنوبيين من المشاركة الفاعلة في مؤسسات الدولة، ورسّخا مبدأ الشراكة بدل الإقصاء، إلى جانب ما قدمته المملكة من دعم اقتصادي وإنساني وتنموي خفف معاناة ملايين اليمنيين وأسهم في تعزيز صمودهم.

وفي ما يتعلق بالأحداث المؤسفة في حضرموت والمهرة، جاءت رسالة الأمير خالد بن سلمان صريحة ومسؤولة؛ فهي تحذر من شق الصف الوطني وإهدار التضحيات، وتدعو إلى الحفاظ على سلم المحافظات الجنوبية واستقرارها، وعدم جرّها إلى معارك لا طائل منها.

ومن هذا المنطلق، فإن دعوة المملكة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تغليب صوت العقل والحكمة، والاستجابة لجهود الوساطة السعودية–الإماراتية، والخروج السلمي من المعسكرات وتسليمها لقوات درع الوطن والسلطة المحلية، ليست دعوة للانسحاب بمعنى الضعف أو الاستسلام، بل هي دعوة إلى الشجاعة السياسية، والاصطفاف خلف المصلحة الوطنية العليا.

فالانسحاب المنظم، وتسليم المواقع للدولة، هو موقف مسؤول يحفظ الدماء، ويجنب حضرموت والمهرة ويلات الصراع، ويجعل الجميع يتفرغون للمعركة الأساسية ضد مليشيا الحوثي — العدو الأول لمستقبل اليمن دولة وأرضًا وشعبًا.

كما تذكّر الرسالة أن القضية الجنوبية لن تُنسى ولن تُهمّش، وأنها ستكون حاضرة في أي حل سياسي شامل، لتُناقش وتُحسم عبر الحوار، وبما يقرره الشعب وبما يحفظ أمن واستقرار البلاد.

ختامًا…

إن المملكة العربية السعودية تثبت، مرة بعد أخرى، أنها تقف إلى جانب اليمن، وتدعم حضرموت باعتبارها ركيزة أمنية واقتصادية وحضارية، وأنها تراهن على الحكمة والعقل، لا على السلاح والصدام. والمسؤولية اليوم تقع على جميع القوى — وفي مقدمتها المجلس الانتقالي — للاستجابة الصادقة لهذه الدعوة، لأن الخاسر الأكبر من استمرار التصعيد هو اليمن، جنوبه وشماله.