آخر تحديث :الأربعاء-24 ديسمبر 2025-04:28م

لماذا يعترض العليمي على مطالب وزراء الانتقالي بإعلان الانفصال ؟

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 10:27 ص
غمدان ابواصبع

بقلم: غمدان ابواصبع
- ارشيف الكاتب


لم يكن مستغرباً أن يرفض الرئيس رشاد العليمي مطالب بعض وزراء الحكومة المحسوبين على المجلس الانتقالي الجنوبي بإعلان الانفصال، بقدر ما كان المستغرب هو جرأة هؤلاء الوزراء على طرح مطلب سيادية بهذا الحجم مع تجاهل تام لأبسط قواعد القانون الدولي وكأنهم هواة وليس وزراء .


فالرئيس العليمي، بحكم موقعه ومكانته ومسؤوليته، يدرك تماماً أنه يمثل دولة قائمة على اعتراف دولي صريح، وأن أي خطوة تتعارض مع هذا الاعتراف لا تعكس شجاعة سياسية بقدر ما تعكس مخاطرة غير محسوبة بتبعات المسار القانوني المعقد الذي يحكم ولادة الدول.


ومع ذلك، يبرز تساؤل مشروع حول ما إذا لو كان هذا الاندفاع الوزاري يستند إلى معطيات غير معلنة؛ فربما يملك هؤلاء الوزراء ضمانات حقيقية من قوى دولية أو إقليمية تضمن الحصول على الاعتراف بالجنوب وتطبيع علاقاته الدولية فور الإعلان، وهو ما قد يفسر إصرارهم على تجاوز التحذيرات القانونية التقليدية.


​إن السؤال الذي يكشف عمق الأزمة هو هل يستند هؤلاء الوزراء إلى أساس قانوني دولي صلب، أم أنهم يتجاهلون حقيقة أن الاعتراف لا يُمنح بالرغبة الذاتية بل بموافقة النظام الدولي؟ فالتجارب المعاصرة كفيلة ببيان كلفة "العزلة"؛ فأرض الصومال التي استقلت منذ ثلاثة عقود لم تحظَ باعتراف واحد، وشمال قبرص بقي كياناً معزولاً، وكذلك فشلت كتالونيا وإقليم كردستان العراق في انتزاع الشرعية رغم المقومات القائمة، مما يؤكد أن الدولة لا تُعلن بل يُعترف بها.


وإذا كان وزراء الانتقالي يملكون فعلاً ضمانات تمنع تكرار هذه السيناريوهات الفاشلة، فإن إعلان الانفصال يصبح حينها خطوة مدروسة نحو "الاستقلال الناجز بدلاً من أن يكون مجرد مقامرة.


​الأخطر في هذا المشهد أن صدور هذه المطالب من داخل حكومة تستمد شرعيتها من وحدة اليمن يمثل تناقضاً قانونياً صارخاً. فالدولة في القانون الدولي ليست مجرد علم وحدود، بل هي شخصية قانونية تكتسب وجودها عبر الالتزامات والاعتراف المتبادل. ومن هنا، فإن اعتراض الرئيس العليمي قد لا يكون عداءً للقضية الجنوبية بقدر ما هو خط دفاع عن منطق الدولة المتبقي، لتجنب تحويل الجنوب إلى كيان معزول


بلا نظام مصرفي أو تمثيل دبلوماسي. ومع ذلك، فإننا نبارك هذا الخيار إذا كانت القيادة واثقة من خطواتها؛ فإذا كان الوزراء المعنيون مصرين على المضي في هذا الطريق، فليكن قرارهم وليتحملوا نتائجه كاملة، سواء في النجاح بانتزاع الاعتراف أو في مواجهة التبعات القانونية والسياسية.

​بناءً على ذلك، نرى أن على الرئيس العليمي ألا يقف عائقاً أمام هذا الإصرار، بل الأفضل أن تظل رئاسة الدولة والحكومة متمسكة بالشرعية الدولية مع ترك المجال لهؤلاء الوزراء لتنفيذ رؤيتهم طالما أنهم على دراية بالضمانات التي يملكونها ف هذا الموقف يضمن ألا تتحمل الدولة كاملة مسؤولية خطوة لم تستوفِ شروط الاعتراف الدولي بعد، ويجعل الوزراء أنفسهم مسؤولين أمام التاريخ والشعب عن نتائج اختياراتهم، فإما أن يثبتوا قدرتهم على فرض واقع دولي جديد، أو يتحملوا وحدهم كلفة المزايدة السياسية بمصير شعب.