ونحن على أعتاب إحياء اليوم الوطني الحضرمي، وذكرى انطلاق الهبة الحضرمية في 20 ديسمبر، تمر حضرموت بمرحلة دقيقة وحساسة، تتطلب قدرًا عاليًا من الوعي والمسؤولية، والتفافًا حقيقيًا من أبنائها حول قضيتهم ومشروعهم الوطني، الذي شكّل عبر مختلف المراحل التاريخية تعبيرًا صادقًا عن إرادة الأرض والإنسان.
فحضرموت ليست مجرد مساحة جغرافية، بل كيان تاريخي وسياسي له خصوصيته، وتجربة ممتدة في إدارة شؤونه، والدفاع عن مصالحه، غير أن هذه الخصوصية ظلت عرضة للتهميش منذ عام 1967م، حين جرى ضم حضرموت في سياق سياسي قسري بقوة السلاح، أفضى إلى تغييب القرار الحضرمي، وإلحاق المحافظة بمشاريع لم تُبنَ على الشراكة ولا على احترام الإرادة المحلية.
وفي الواقع الراهن، يبرز تحدٍّ جديد يتمثل في محاولات فرض سلطة أمر واقع على حضرموت من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي ، من خلال هيمنة عسكرية واحتكار للقرار السياسي، وفرض رؤية أحادية وصوت واحد، الأمر الذي لا يهدد خصوصية حضرموت فحسب، بل ينعكس سلبًا على مشروع الجنوب ذاته، الذي يفترض أن يقوم على التعدد، والشراكة، واحترام الخصوصيات، لا على الإقصاء والتغليب.
إن التجارب أثبتت أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق بالقوة، ولا بفرض الوقائع، بل ببناء التوافق، وإشراك أبناء الأرض في إدارة شؤونهم، وهو ما يجعل من حق الحضارم – بل من واجبهم – التعبير عن قضيتهم، وإيصال صوتهم إلى الداخل والخارج، بوصفها قضية عادلة تستند إلى التاريخ والواقع، وتسعى إلى حلول مسؤولة تضمن الأمن والاستقرار.
وتأتي هذه اللحظة في ظل حراك إقليمي ودولي متصاعد، ودور محوري تقوم به المملكة العربية السعودية، باعتبارها حليفًا استراتيجيًا وسندًا داعمًا لاستقرار حضرموت واليمن ككل، ما يفتح نافذة سياسية مهمة أمام النخب والمكونات الحضرمية لتقديم مشروع واضح، عقلاني، وقابل للحياة، يعبّر عن تطلعات المجتمع الحضرمي والقضية الحضرمية ، في حكم ذاتي لحضرموت .
إن حضرموت، أرضًا وإنسانًا، يجب أن تكون جزءًا فاعلًا في صياغة أي مستقبل سياسي قادم، وأن تمتلك كلمة الفصل في قضاياها المصيرية. وتحقيق ذلك مرهون بقدرة الحضارم على توحيد خطابهم، وتغليب المصلحة العامة، والتحرك السلمي الواعي، بما يحفظ الحقوق، ويصون الكرامة، ويضع حضرموت في موقعها الطبيعي كميزان استقرار لا ساحة صراع.
ولا يمكن القبول بأن تُدار بعقلية الغلبة أو تُختزل في مشاريع أحادية. ومن هنا، فإن تحرك الحضارم، بكل مكوناتهم ومشاربهم، خلف هدف واضح يتمثل في انتزاع الحقوق المشروعة، وحماية القرار الحضرمي، هو واجب وطني وتاريخي لا يحتمل التأجيل.
#عبدالجبار_باجبير