في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، يبرز الاتفاق السعودي–الإماراتي مع المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه محطة مفصلية تعكس مقاربة مختلفة لإدارة الأزمات، قوامها الشراكة الواقعية، وتغليب منطق الدولة، ووضع حماية المواطن في صدارة الأولويات.
فالخطوة التي أفضت إلى إعادة هيكلة وتوحيد القيادة العسكرية الجنوبية لا يمكن اختزالها في بعدها الأمني فقط، بل تمثل انتقالًا مدروسًا من إدارة التباينات إلى بناء مسار استقرار طويل الأمد. هنا، يتجلى الدور السعودي–الإماراتي باعتباره دورًا توافقيًا يهدف إلى ضبط المشهد، لا تأجيجه، وإلى تحويل القوة القائمة على الأرض إلى عامل استقرار وحماية للمجتمع.
المملكة العربية السعودية، بثقلها السياسي ومكانتها الإقليمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بخبرتها الميدانية وقدرتها على التنفيذ، نجحتا في تهيئة بيئة تفاهم اتسمت بالصراحة والثقة المتبادلة، وفتحت الباب أمام طيّ صفحات من الخلاف، والانتقال إلى شراكة واضحة المعالم. شراكة لا تقوم على الإملاء، بل على قراءة دقيقة لموازين القوة والشرعية الشعبية، واحترام تطلعات الناس على الأرض.
الأهمية الحقيقية لهذا الاتفاق تتجلى في اتساع أفقه؛ إذ لم يتوقف عند الترتيبات العسكرية، بل امتد إلى ملفات سياسية واقتصادية وخدمية، في إدراك واعٍ بأن الأمن الحقيقي لا يكتمل دون استقرار معيشي، وأن حماية المواطن تبدأ من انتظام الرواتب، وتحسين الخدمات، وتفعيل مؤسسات الدولة، وصون الكرامة اليومية للناس.
كما أن تثبيت موقع المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف رئيس في أي تسوية قادمة يعكس مقاربة واقعية للحل، تتجنب القفز فوق الحقائق، وتؤسس لحوار سياسي أكثر صدقًا واتصالًا بالمجتمع، بما يراعي تطلعات شعب الجنوب ويضعها ضمن إطار سياسي قابل للاستدامة.
دون مبالغة أو ابتذال، يمكن القول إن هذا المسار السعودي–الإماراتي يمثل استثمارًا مسؤولًا في الاستقرار، ورسالة واضحة بأن حماية المواطن ليست شعارًا عابرًا، بل معيارًا لنجاح أي تسوية. ففي زمن تكثر فيه المبادرات الشكلية، يبرز هذا الاتفاق كخطوة هادئة في لغتها، عميقة في أثرها، تؤكد أن السياسة حين تُدار بعقل الدولة، تتحول من إدارة أزمات إلى فعل حماية وبناء للمستقبل.
م. غسان جابر