آخر تحديث :الخميس-27 نوفمبر 2025-06:34م

عن الاستقلال: القوات المحلية بغرض الإسناد (2–3)

الخميس - 27 نوفمبر 2025 - الساعة 10:25 ص
د. خالد عبدالكريم

بقلم: د. خالد عبدالكريم
- ارشيف الكاتب


د. خالد عبد الكريم


في المقال السابق تناولنا صورة الجندي البريطاني كما روتها رسائله ومذكراته في عدن خلال الأشهر الأخيرة قبل الجلاء. في هذا الجزء، نتناول دور القوات المحلية التي اعتمدت عليها بريطانيا للإسناد الميداني، وما نتج عن ذلك من توترات وصدامات معقدة شكلت ملامح الأيام الأخيرة قبل الاستقلال.


مع ارتفاع تكاليف القوات النظامية البريطانية ونقص عددها، لجأت بريطانيا إلى تجنيد قوات محلية لتساند القوات البرية. وكانت لهذه الخطوة فوائد عملية، إذ وفرت قناة اتصال مع المجتمع المحلي، وأسهمت في تأسيس كوادر عسكرية يمكن أن تتولى مقاليد الأمور وتظل تحت الوصاية بعد مغادرة البريطانيين. لكن في مجتمع قبلي تسوده الصراعات، بدا التحكم في هذه البُنى أمراً بالغ الصعوبة بعد بدء العد التنازلي للانسحاب.


ورغم أن الجنود البريطانيين فهموا طبيعة القبائل في حدها الأدنى، فإن المؤسسة البريطانية كدولة لم تتمكن من التعامل بفعالية مع الثقافة القبلية أو مع ديناميات إدارة الولاءات والانقسامات المحلية.

تقليدياً، كان يُفترض أن يتخلى الجندي المحلي عن انتمائه القبلي طوال فترة الخدمة، لكن الوثائق تشير إلى أن تأثير الانتماءات والمناطقية ظل حاضراً بقوة حتى آخر أيام الحكم البريطاني في عدن.


ومع تصاعد العمليات الثورية، بدأ رد فعل الشرطة المحلية وبعض الوحدات العسكرية يتأرجح بين تأثير المشاعر الوطنية، وبين حسابات شخصية وقبلية. تسارعت التوترات، وتحول هذا المزيج المعقد إلى ما وصفته الوثائق البريطانية بأنه “مزيج سام من الصراعات” داخل الهياكل الأمنية.


وتذكر التقارير البريطانية أن بعض أفراد القوات المحلية القوا قنابل يدوية على مواقع للقوات البريطانية، وسُجلت حالات اشتباك مباشر بين الطرفين. شكل ذلك صدمة كبيرة للجنود البريطانيين، خصوصاً أن مفهوم “الصحة النفسية للجنود” لم يكن متطوراً كما هو اليوم. كثير من الجنود الذين شهدوا تلك الأحداث عادوا إلى بريطانيا وهم يعانون من اضطرابات نفسية، وخضع بعضهم لرعاية خاصة لسنوات.


أما على صعيد الاستخبارات، فقد اعتمدت بريطانيا على المعلومات البشرية من السكان المحليين، وعلى الشائعات، وعلى المنشقين الذين غالباً لم تكن لديهم معرفة دقيقة بتحركات الثوار. كما لم يكن التصوير الجوي قد تطور إلى الدرجة التي تسمح برصد التحركات في التضاريس الوعرة، في حين كان استخدام الإشارات الاستخبارية محدوداً لأن وسائل اتصال الثوار اعتمدت في معظمها على الرسائل المحمولة يدوياً.


ورغم محدودية المعلومات، تبقى دراسة تلك المرحلة مثيرة للباحثين والمهتمين بالتاريخ العسكري. فالكثير من التقارير الصحفية المعاصرة أصبحت رقمية اليوم، وتوفر تفاصيل واسعة عن الاشتباكات في عدن والمحميات. كما صدرت كتب لصحفيين عايشوا الأحداث، مثل كتاب ستيفن هاربر “الغروب الأخير”. وفي السنوات الأخيرة، أُفرج عن عدد من الوثائق الرسمية في الأرشيف الوطني البريطاني، معظمها وثائق استراتيجية، بينما دُمرت الوثائق العملياتية والتكتيكية من قبل الوحدات العسكرية عندما لم تعد مطلوبة.