لم تعد قضية استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مجرد مطلب سياسي أو حراك جماهيري، بل تحولت اليوم إلى قضية تحرر وطني لها جذورها القانونية، وشرعيتها الدولية، وحقها الأصيل في الوجود والسيادة.
إن الجنوب – بشعبه، وأرضه، وهويته، وثورته، ودماء شهدائه – يمتلك من الأدلة القانونية والواقعية ما يضعه في مصاف القضايا التحررية المشروعة التي اعترفت بها الأمم المتحدة والفقه الدولي عبر العقود الماضية.
هذا البحث يعرض المداخل القانونية، الدولية، الدستورية، والسياسية التي تشكّل الأساس الصلب لاستعادة الدولة الجنوبية، مقرونًا بنبرة ثورية تعبر عن الإرادة الجمعية لشعب الجنوب العربي.
أولًا: حق تقرير المصير – الأساس القانوني الأعلى
يُعد حق تقرير المصير الركيزة القانونية الكبرى التي يستند إليها شعب الجنوب في مطالبته باستعادة دولته. وهو ليس مجرد مبدأ سياسي، بل قانون دولي ملزم نصت عليه أهم الوثائق الدولية:
1- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966) – المادة 1
تنص على أن:
لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها، ولها أن تحدد بحرية مركزها السياسي.
2- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – المادة 1
وتنص على ذات الحق بشكل صريح وحاسم.
3- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 (1960)
أحد أقوى القرارات التاريخية، والذي أعلن أن:
إخضاع الشعوب للسيطرة الأجنبية إنكارٌ لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة.
4- انطباق هذا الحق على الجنوب
شعب الجنوب شعب متميز بهوية تاريخية وجغرافية وسياسية، وكان صاحب دولة مستقلة معترف بها دوليًا وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وبالتالي فإن عودته إلى دولته هو تطبيق مباشر وصريح لحق تقرير المصير.
هذه ليست رغبة سياسية فحسب، بل حق قانوني غير قابل للتفاوض أو السقوط بالتقادم.
ثانيًا: انهيار الوحدة 1990–1994 من منظور القانون الدولي
1- غياب الإرادة المتكافئة
القانون الدولي يشترط لقيام أي اتحاد بين دولتين:
الرضا الحر،
التكافؤ،
الاستفتاء الشعبي.
غير أن وحدة 1990 تمت تحت ضغط سياسي وظروف اقتصادية مضطربة، ولم تُعرض على الشعب في الجنوب، وهو ما يجعلها وحدة باطلة من الناحية القانونية وفقًا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، خصوصًا المواد المتعلقة بالإكراه وغياب المشروعية.
2- حرب 1994 أنهت الوحدة فعليًا وقانونيًا
استخدام القوة لإنهاء شراكة سياسية بين دولتين يُعتبر في القانون الدولي إلغاءً جوهريًا للاتفاق.
وقد اعترفت الأمم المتحدة بذلك عبر قرارين مهمين:
القرار 924 لعام 1994
القرار 931 لعام 1994
وهما يؤكدان أن الخلاف بين “الطرفين” لا يمكن حله بالقوة، مما يعني أن الجنوب كان كيانًا سياسيًا مستقلًا وليس “طرفًا داخليًا صغيرًا”.
3- تطبيق نظرية تفكك الاتحادات الدولية
الجنوب يدخل ضمن إطار نظرية تفكك الاتحادات (Dissolution of States)، والتي طبقها المجتمع الدولي في:
يوغسلافيا
الاتحاد السوفيتي
تشيكوسلوفاكيا
وفي جميعها تم الاعتراف بحق كل دولة سابقة في استعادة سيادتها.
ثالثًا: الأساس الدستوري والقانوني الداخلي
1- استمرار الشخصية القانونية للدولة الجنوبية
دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لم يُلغَ، بل جمّد بقرار سياسي. والشخصية الدولية للدولة لا تزول بتجميد الدستور، وفقًا للفقه الدولي.
2- إعلان فك الارتباط (21 مايو 1994)
هذا الإعلان السيادي لا يزال قائمًا ويمثل أساسًا قانونيًا لعودة الدولة.
لم يُلغَ ولم يتم التراجع عنه، وبالتالي فهو وثيقة شرعية قيد التنفيذ.
3- سقوط الالتزامات بانهيار العقد
استنادًا إلى نظرية سقوط العقد عند الإخلال الجوهري – المعمول بها في القانون الدولي الخاص والعام – فإن الطرف الجنوبي تحرر قانونيًا من الالتزامات الناشئة عن وحدة 1990 بعد نقضها بالقوة في حرب 1994.
رابعًا: الشرعية الواقعية – السيطرة الفعلية كمقوم للدولة
وفقًا للقانون الدولي، فإن شروط الدولة أربعة (اتفاقية مونتفيديو 1933):
1- شعب
2- أرض
3- سلطة
4- قدرة على الدخول في علاقات دولية
اليوم يمتلك الجنوب كل هذه العناصر:
شعب موحد الإرادة يعرف هويته وتاريخه.
أرض محددة الحدود (الجنوب العربي المعروف قبل 1990).
سلطة فعلية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية.
قدرة سياسية وعلاقات دبلوماسية واقعية مع دول إقليمية ودولية.
إضافة إلى الموقع الاستراتيجي للجنوب ودوره المحوري في حماية باب المندب، وهو ما يمنحه أهمية جيوسياسية تضاعف فرص الاعتراف الدولي.
خامسًا: المسارات الدولية لاستعادة الدولة
استعادة الدولة يمكن أن تتم عبر ثلاثة مسارات شرعية:
1- المسار التفاوضي الأممي
استنادًا إلى القرارات:
924
931
والمبادرات الإقليمية والدولية.
2- المسار الاستفتائي الأممي
وهو الأكثر استقرارًا وشرعية، ويُعتمد في حالات الانفصال بالتراضي أو النزاعات طويلة الأمد.
3- المسار التدريجي عبر بناء مؤسسات الدولة
كما حدث في:
كوسوفو
تيمور الشرقية
وهو المسار الذي يسير فيه الجنوب اليوم عبر تعزيز مؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية.
إن استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ليست حدثًا سياسيًا عابرًا، ولا مشروعًا طارئًا، بل حقٌ تاريخيٌ، قانونيٌ، إنسانيٌ، وسياديٌ لشعبٍ تعرض لوحدة قسرية، وحرب غاشمة، وإقصاء ممنهج.
لقد سقطت اتفاقية الوحدة يوم فُرضت بالقوة، وسقطت شرعيتها يوم أُطلقت أول رصاصة على شريكها الجنوبي.
اليوم، يقف الجنوب أمام استحقاق وطني حتمي تقوده تضحيات الشهداء، وإرادة الشعب، والقوانين الدولية التي تمنحه حق العودة إلى دولته، مهما طال الزمن.
فالجنوب العربي لم يعد يطالب باستعادته…
بل يستعيدها بالفعل.