طابع مختلف في ممارسة الحياة.
بين قوسين (عشوائية المجتمع ونظام الهرولة).
ما سيأتي في سياق هذا المضمون السردي هو بالأصح: وصفة تُعبِّر عن وجهة نظر، لواقع مُعاش، وسط أحضان السلبية. الغجرية وحياة الريف!
المحاور الاختزالية لمحتوى النص:
~ انطباعات بديهية لهشاشة المجتمع.
~ التعجرف الساذج والفكاهة الساخرة.
~ أضحوكة التأمل في عدم الإدراك.
~ السرعة اللازمة لإنتاج الفشل.
في البداية: يتناول الكاتب مقدمة بِعنوان: العيش بطريقة الهرولة. ثم يأتي بسياق نص افتتاحية مقدمته، على النحو التالي:
ما نحن فيه، وما نعيشه اليوم، كارثة عظمى. خلَّفت لنا الكثير من المآسي، ورغم ذلك! لا زلنا نفرض قيودها علينا بسطوة الغباء، والتدحرج بالوحل. نحن المجتمع بطبيعته القروي! نكترث الوطأة، لنتخذ منها علينا نظام، باختيارنا الأهوج.
وأردف قائلاً: نحن مجتمع بات يتوانى في اللازم، ويذهب نحو دناءة قُدسية مزاج أهواءه، ليشرعن منها النظام والمعتقد، ويمارس وفق مجراها تطبيق الحقيقة. هكذا بصورة عكسية لِمَ يجب أن تسري الحياة - عمرًا وزمن - نعيشها بمفهوم خاطئ. وأضاف قائلاً: إذ كان بإمكان أن ينحدر هذا السباق على النحو السليم، لحقننا إنجاز جبار، وجنينا نجاح عظيم. وبمختلف المجالات ومستوياتها العالية، بالسمو.
وأوضح تعريفًا عن سؤاله هنا، لمفهوم حياة الهرولة. قائلاً:
حياة الهرولة تعني: معيشة الشخص، وحياته في عجل. وأخذ الأمور عن بديهية تفكير، وسطحية لا تقيهِ من سوء العواقب، الوخيمة بالضرر. لانعدام التأني بحسن اختيارها، قبل اتخاذ القرار. لتنفيذها وفق قواعد الترجيح السليم. عجل سلبي، وتسرع في كل الأشياء؛ كالقاصد في سِباقهُ عجلة الزمن.
ومن هنا يدخل في التفاصيل، متفرعًا لعنوان جانبي، نصَّ في بنط عارضته:
الزواج المبكر.
تزداد السرعة من عجلة الهرولة، في هذا المنحدر.
يضع الكاتب هنا الدراسات من أعوام ماضية، في رصد الهفوات تلو الهفوات، وصولًا إلى عامنا الحالي. ليستنتج المفارقات، مقارنًا إزاءها حداثة اللحظة، وما يدنو لها من نظريات قادمة، من نتاج الدهاء. باتت قيد الإثبات، ولعلَّها وليدة الغد، ربما! وليس بمستحيل هذا البُعُد، من مدى غاية الإنسان. إلا أن الكاتب يتعثَّر هنا، دون الجدوى من المقارنة، إذ أن الفرق بات شاسعًا.
وإذا به يُلخِّص مقتطفاته، كما رُسِمَ بين طيات السطور. قائلاً:
منذ البداية في معرفة نفسي، من عام 2005م، ومن ذلك الحين تمامًا، إن لم تخونني الذاكرة. وضعتُ دراسة حول المتزوجين، فوجدت 90% من الشباب ‐ بنين وبنات - تزوجوا من بعد مرحلة الإعدادية تمامًا. حيث تحقق الرقم القياسي في هذا الجانب.
وأردف قائلاً: ثم تأتي لتنظر لِمَ وراء السبب في ذلك، لتجد كل تلك الطيشان، هو نتاج ثقافة مغلوطة، وهرولة غير مسبوقة، مما أدى إلى دمار شامل، في ضياع المستقبل.
وأضاف: تجد الأب يدلي بعبارات التبجُّح والاستعلاء، بصدد التفاخر والمجازفة في ذلك، قائلاً عباراته الشعبية:
"بزوجه كي يشتحط، بزوجه كي يعيش حياته، بزوجه كي أفرح له وأنا على قيد الحياة، بزوجه أفضل ما يضيع بالصعلكة في الشوارع".
هكذا بلهجةٍ قروية بحتة، تتوافد كل تلك الأقاويل من بين شفتيه، ليتغنى بها بنبرة، وأنفة كبر. لعدم وجود نمط الوعي، لصدّ ذلك.
التعليم
يضع الكاتب عنوان فرعه الثاني، لسرد أقصوصة التعليم، ويخط عباراته قائلاً:
تعليم الأطفال: إذا عرضت مثلاً، على ولي أمر أسرة. بتخطي ولده من الصف الرابع إلى الصف السادس، على سبيل المثال. حالاً ستجد ولي هذا الأمر يوافق، وكأن ذلك يعني إنجاز بحق تصوُّره.
ويضيف قائلاً: ومن موبقات العجلة أيضًا: تجد الأب يريد أن يلحق ابنه في المدرسة، بسن الخامسة من عمره. ولم يدرك بأن الطالب في هذا التسارع، يصل المرحلة الإعدادية وقد ملَّ من الدراسة، ولم يعد يفكر بالمواصلة، بل ما ينخر في مخيلته هو التفكير بأشياء أخرى، مثل: السفر، أو الالتحاق بالسلك العسكري. وإن واصل البعض مرحلة الثانوية، ويمتلك الطموح والتفوق، تجده يعرض على عقله فكرة الجامعة، واختيار تخصص مناسب.. ثم تجده فجأة يشمئز بالرفض ومقت الفكرة، أو المقترح. لسبب تفكيره بطول الفترة، أربع "سنوات" ومن ثم يختصرها بمعهد سنتان، ويدفن آماله وكل أحلامه في رمس عدم التأمل، وسوء الإدراك.
وأيضًا هناك مثال يتم العمل به كقولهم: أكمل عمري في الدراسة لا؛ هذا ضياع، يجب أن أتزوج وأسافر وأبحث عن عمل، لأبني مستقبلي.
التناسل والتكاثر – الأولاد وقالب الهرولة.
يدخل الكاتب في العنوان الثالث، من إبانة طبيعة المجتمع، مع فقرة التناسل والتكاثر قائلاً:
تجد الشاب المتزوج حديثًا، بعد ثلاث سنوات من زواجه، وقد لديهِ من الإنجاب، ثلاثة أطفال - على الأقل - الأول في المهد، والثاني يحبو، والثالث يصرخ. وكأن الأم في هذا المنطق "فقاسة بيض" وإن بادرت بالنصيحة تجاهه، بأن هذا ضرر، وله تأثير على الأم... إلخ. يدلي إليك بلهجته العامية، من معتقد هابط، قائلاً: يجب أن أنجب أولاد في شبابي، طيب والأم؟ الأم تنجب وبعدها تأخذ الراحة.
هكذا دون إدارك بأنَّ الراحة طاقة جوهرية، تنفد من جسد الإنسان، كذبول الورد قبل أوانها. إن لم تُسقى بالمشاعر وتُغذى بالعاطفة. تنفد هذه الطاقة، دون سابق صفارة إنذار. لولا أن يتم مُراعاة استخدامها وفق أسلوب الرِفق، كونها "شريكة حياة" لا باعتبارها آلة صُنع إنتاجية. تعمل بواسطة تيار دفع، حركة فيزيائية.
ولا تقتصر العجلة هنا وحسب.
بل تستمر العجلة حتى في أشهر الحمل، تجد الزوج يتمنى، لو أن تتم الولادة "بستة أشهر"، وذلك تقليصًا لِمَ فيه من معاناة، وأتعاب أثناء مدة الحمل.
التسوق
الأمر المضحك والأكثر إضحاكًا فيه، نشوة "الكيّف".
هنا يصف الكاتب حالة نادرة وصفات بلهوانية يحملها المجتمع بعيوبها الجلية، والمثيرة للضحك، موضحًا إياها كالتالي:
تجد المجتمع بطبيعته كالعادة، في ممارسة حياته اليومية، خصوصًا "التسوُّق" وهي رحلة سفر يومية قصيرة. يقوم بها المجتمع بالذهاب إلى السوق، بصدد الغرض منها، قضاء حاجته ومن ثم العودة، لكن بطابع مختلف، عن باقي المجتمعات الأخرى.
يتحدث الكاتب قائلاً: تجد المجتمع يحمل صفة نادرة عن بقية المجتمعات الأخرى، عند ذهابه للسوق. وذلك فيما يتراوح غضون مدة المكوث، فترة زمنية وجيزة، لا تتجاوز "الساعة" أحيانًا. ومن ثم يبدأ بالركض بعجلة. مُتلهفًا للعودة، وإن كان بامتلاكه أجناح لطار، من شدة القلق الذي ينخر في مخيلته. من وراء قصد التخزينة، في وقت مبكر. أي بمعنى تناول "وجبة القات" باكرًا. دون إعطاء الاهتمام للمكان المناسب، أو التموضع الجيد في الاتكاء، فهذا غير مهمًا لدى تفنَّنهُ. وإن كان الجلوس على شوك، فهو بالطبيعي.
ويضيف قائلاً: الأهم من ذلك هو الوقت باكرًا، ليستمر من ساعتان إلى ثلاث في نشوتهِ، مع مفعول القات. ومن ثم يبدأ بالركض مجددًا، من - البيت إلى الوادي - والعكس. مرورًا بتخبط مريب، وحتى الرابعة عصرًا. ليحن دور تناول وجبة العشاء، على عجلة. ليلهث بعدها لمواصلة الموال المؤدلج عليه، كالعادة.
المرض والتعامل بنفس الطريقة.
يصف الكاتب هنا نوعية التعامل، والطريقة مع حالة المرض قائلاً:
في حالة الإسعاف لحالة مرضية، تجد هذا الصنف من المجتمع يسارع بالبحث عن الأماكن غير المزدحمة، من المستشفيات. لغرض الإنجاز السريع، وإن كان أطباء الاختصاص فيها غير جيدون، فهذا لا يهم.. بقدر همة مجاراة السرعة، لتنفيذ مهامه عن عجل.
وتستمر هكذا تفاصيل الحياة برمتها. في السفر والرياضة والبناء... إلخ. لا وجود أوقات للراحة بتاتًا، عند هذا المجتمع.
ومن هنا يختتم الكاتب سرديته بقصة زواج قصيرة، جاء في مضمونها ما سيُوضَّح أدناه:
يقول الكاتب: من عام 2008م تقريبًا، أقيم عرسًا لأولاد عمومة، فيما جرى اتفاقًا بين أبوين لتزويج أولادهم، في سن مبكر. ومن ثم بدأ الحفل وكان إحدى الأبوين لديه ولد آخر، من نوع مذكر، وكان يصغر أخيه العريس بعام، من العمر. وقبل يومين من إقامة مراسيم حفل زواج أخيه، بدرت في ذهن والده فكرة إلحاقه بالزواج مع أخيه. ومن ثم ذهب الأب ليعرض موافقة الفكرة على أخيه والد العريس الآخر، ذهب وتمت المشورة في الأمر، وإذا بأخيه يوافقه الرأي فورًا ويقول: الموت مع الجماعة رحمة. ومن تلك اللحظة باردا الأبوين بالركض دون تأني، لطرق الأبواب باحثين عن "كَنَّة" لنجل ذلك الأب. وبسرعة غير متوقعة، دون تحديد مواعيد ولا إعطاء إشعارات، وجبت أن تطرح مسبقًا لمن أرادوا مصاهرته.
كالعادة خطرت ببال الأب القاصد إلحاق ولده بالزواج، فكرة صديق في القُرى المجاورة. ومن ثم قاموا بالاستعداد وتجهيز أغراضهم اللازمة، وفق عادات وتقاليد الخطوبة. وذلك من قات وهدايا، وانطلقان في طريقهما برفقة جماعة رمزية إلى جانبهما. دون التفكير لتوخي العواقب، التي سيسببوها لصديقه من إحراج. وصدمة المفاجأة. طالما كان من وراء القصد خطوبة، وعقد قران وزواج في آن واحد. بل كان يتغنى ذلِك الأب: بكُنيتهُ أبو فلان، وبحق الصداقة لا تُفسد ود. بينما كان البعض ممن ذهبوا بمعيته، يُلِحَّ بالسؤال من باب الفضول، عن مدى تأثير هذه السرعة، بسوء الرد، طالما لم يسبقها ترك إشعار بالمجيء حتى، لمن قصدوا داره. فيرد عليهم بِجُرأة، متفاخرًا بتلك الجُمل.
وصلوا وأُكرموا بِحفاوة الترحيب، وطيب الضيافة. وتم استقبالهم وفق اللازم، في مجلس صديقه، رغم المفاجأة. وتم بعدها تنفيذ مهام المُكلَّف بتوزيع الهدايا في الداخل، على من في الجوار ليلاً، لدليل الكرم. وبينما ضيوف المجلس، يتناولون القات والحديث العام بينهم في البداية، دون فتح بابًا للنقاش عن أمر الزواج والمصاهرة، مع صديقه. فقط استمروا في نفس المنوال، حتى المنتصف. والمغزى من ذلك: هو مدى إدراكهم بأن مفعول القات سيجلب العاطفة والتجاوب، من قِبل صديقه، عندما يسري تخدير القات في عروقه.
أي بمعنى: يجب أن يخزن ويهدأ، وبعدها سيخضع الأمر للتفاهم ببساطة.
وبلهجة عامية "قرح القات عند أب الولد ذو الشأن في الأمر، وكما أن من عادته السرعة والهرولة، قرح القات عنده سريع، مما جعله يشير إلى صديقه بالخروج، لنقاش أمرٍ ما، وإذا بصديقه يرد عليه ببرود؛ لا زال الوقت باكرًا. تسنى قليلاً وتناول القات.
فاستتب مستمرًا في تناول القات، وبعد أن تمت عملية تنفيذ هذا الأمر.. حان وقت إفشاء الحقيقة، والإفصاح بها لصديقه. فبادر صاحب "الحاجة المُعنَّى بالطلب" بادر بالخروج إلى جوار باب المنزل، ونادى صديقه للمرة الثانية بالخروج إلى جواره. وعرض عليه الأمر.
وفي نقاش دار بينهما:
الصديق: تفضل! ما طلبك؟ ماذا تريد؟ قل ما عندك؟
أب الولد: أتيت قاصِدًا مصاهرتك، وتقوية روابط صداقتنا لتتعمق أكثر. وأردف قائلاً: أنا ولدي وولد أخي عرسان، وباقي لدي ولد آخر أردت أن ألحق عرسه ضمنهم، وأخفف من على عاتقي همه.
الصديق: أنا أرى ولكي تتعمق الصداقة بيننا بأن تزوجوا ولدي من بنتك! معاهم، وذلك بما أنك تعلم بأني ليس لدي بنات! غير ستة أولاد. وكم مرة حكيت لك بأني أتمنى لو أن تأتيني بنت، ولنا عشر سنوات من الصداقة في هذا الموال.
أب الولد: اهاا، ذكرت عفوًا، ولكن كي تتعمق الصداقة سأزوج أبنك من أبنتي، فأنا موافق.
الصديق: حسنًا، اتفقنا.
ومن هنا أغلقت دائرة النقاش الجانبي بينهما، ودخلان إلى المجلس. وبعد قليل استأذنوا بالانصراف، وانصرفوا.
تمت الخطوبة عكس. وهنا تكمُن الصفعة!
وصلوا إلى منزل أب الولد وقعدوا ليشرح لهم القصة، فشرح لهم إياها وإذا بهم يسرحون في بحبوحة من الضحك، والظرافة البلهاء، ويؤنبونه تارةً أخرى، على موافقته من زواج إبنته في عمرها القاصر.
تجاشموا الأمر وبادروا بالانصراف. وإذا بأب الولد يفكر تارةً أخرى، بطرق بابٍ آخر. فوجد بباله صديق قديم وقال: صاحبك الأول لا يغرك العقِب. وما إن تجهزَ مساء اليوم الثاني، وذهبوا عند ذلك الصديق. وصلوا وبدأوا يتناولون القات، وكالعادة أشار أب الولد لصديقه بالخروج، لنقاش لأمرٍ خاص. خرجَ الصديق وأب الولد، تشاوروا وتمت الموافقة عن الزواج باسم الصداقة، دون العلم بأن هذا الصديق لم يتبقى لديه إلا بنت عانس، بعمر الخامسة والأربعين. وربما حان موعد قلع ظروسها قريبًا.
وبعد أن تمت الموافقة، استدعوا القاضي بالحضور، ليتم العقد. حضر القاضي وبدأ يصيغ بيانات الشريكين، فما إن وصل بالسؤال عن عمر واسم البنت، وإذا بأبيها يجيب: اسمها صداقة، وعمرها خمسة وأربعين. فيرد عليه أب الولد مذعورًا: أنا طلبت يد ابنتك، لم أقصد زوجتك يا صديقي! أجاب صديقهِ عليه: الصداقة أبقى! فأقنع أب الولد بالرد. تم العقد، واكتملت الفرحة بالزواج.
وبعد شهر من الزواج بدأت المعاناة، الشاب يعاني من شريكته. كبيرة ومسنة، شبه منتهية. توجَّه الشاب ذاهبًا لأبيه بالأمر.
الولد: أبي زوجتي تنام من مغرب، شكلها تاعبة!
الأب: يرد عليه هل ما زالت تتنفس؟ أي نعم تتنفس. إذًا إطمئن يا ولدي، لم تمُت بعد. ما زالت على قيد الحياة. الصداقة أهم وأبقى من ذلِك.
الولد: صداقة صداقة صداقة، ليس في جميع الأمور صداقة!
بدأت الأمور تسوء للأسوأ، وما إن وصلت البنت للطلاق! والولد للضياع والتشرد. وصار الزواج باسم الصداقة، مأساة مدى العمر.
ملاحظة:
أغلبية الآباء في مجتمعنا، كانوا يعتمدون عن الصداقة، في زواج أبنائهم. بغض النظر عن أي شيءٍ آخر.