آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-04:33م

الرئيس العليمي وفن المناورة السياسية.. رئيس بلا جيش ولا قبيلة تسنده

الخميس - 06 نوفمبر 2025 - الساعة 04:51 م
محضار الأقطع

بقلم: محضار الأقطع
- ارشيف الكاتب


منذ اللحظة التي تم فيها التوافق بين قوى دعم الشرعية على اختيار الدكتور رشاد العليمي رئيسًا لمجلس القيادة الرئاسي، كان واضحًا أنه سيواجه مهمة شديدة التعقيد في بلد يتنازع فيه السلاح والولاءات فالرجل، القادم من خلفية أكاديمية وأمنية، لا يملك قوة عسكرية تحت إمرته، ولا قبيلة تحميه أو تفرض كلمته، ومع ذلك استطاع أن يناور بذكاء ويكسب مساحات سياسية في بحر متلاطم بالمصالح والتناقضات.


في تشكيل المجلس، جاء العليمي ممثلًا للشمال، إلى جانب ثلاثة آخرين اثنين من المؤتمر الشعبي العام وثالث اصلاحي يتفاوتون في الولاءات والمصالح، لكنهم يتفقون في البنية الفكرية والسياسية التي ترى في الوحدة خيارًا مصيريًا. أما نصيب الجنوب، فقد مثّله أربعة، أبرزهم القائد عيدروس الزُبيدي واللواء فرج البحسني، وهما من القادة العسكريين الذين لا يحملون أيديولوجيات حزبية أو دينية، لكنهما ينتميان بوضوح إلى الجنوب وقضيته. إلى جانبهم، جاء عبدالرحمن المحرمي الذي يمثل ثقل يافع التاريخي، رجل متدين بطابع سلفي، لكنه مثل كثيرين يرى أن القربى أولى بالمعروف وأن يافع تستحق أن تكون حاضرة في معادلة الحكم.


وفي وسط هذا التوزيع الدقيق، كان لا بد أن يظهر حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) بثقله، فحصل على مقعدين: الأول في الشمال عبر الشيخ سلطان العرادة ممثلًا لمأرب، والثاني في الجنوب من خلال الدكتور عبدالله العليمي، ما يعني أن الإصلاح بسط يده على حصته شمالًا وجنوبًا في آن واحد.


أما العميد طارق محمد عبدالله صالح، فقد اختار مسارًا مختلفًا؛ أسس قوة عسكرية صلبة بدعم إماراتي، وابتعد عن التحزب السياسي، مؤكدًا أن وجهة سلاحه نحو صنعاء للقضاء على انقلاب الحوثي طارق لا يخفي اختلافه مع العليمي، رغم انتمائهما المشترك للمؤتمر الشعبي العام، لكنه يفضّل العمل العسكري على المناورات السياسية، بينما يحاول العليمي الجمع بين كل القوى المتنازعة دون أن يخسر أحدًا.


في تعز، مسقط رأس العليمي، لم يكن الوضع أفضل حالًا. فالتعصب السياسي هناك تجاوز التعصب القبلي، وأصبحت المدينة والمناطق المحررة مقسومة بين جناحين: الأول خاضع للإصلاح بقيادة حميد الأحمر، والثاني في الساحل الغربي تحت سلطة طارق صالح في مثل هذا المشهد، يصعب على العليمي أن يطالب بأن تكون عدن تحت سلطته المباشرة، فالرجل لا يملك أدوات القوة ولا النفوذ القبلي في مسقط رأسه كما يملك غيره.


العليمي يعتمد فقط على “سلاح القرارات الجمهورية”، وهو السلاح الوحيد المتاح له في معركته السياسية. لقد استطاع عبر هذا السلاح أن يُرضي الجميع: يصدر قرارات وفق الترشيحات التي تقدمها القوى والأطراف، بدءًا من قيادات حزبية إلى شخصيات دينية وسلفية، وحتى وجاهات قبلية. كل طرف يرسل أسماءً، والعليمي يصدر القرارات، لعلّه يحقق توازنًا هشًا بين الجميع.


لكن المشكلة ليست في إصدار القرارات، بل في مضمونها؛ إذ كشفت مصادر داخلية أن بعض الترشيحات تضمنت أسماء غير مؤهلة، بل حتى أحد أمراء القاعدة كان مقترحًا لمنصب عسكري رفيع من قبل أحد أعضاء المجلس. أغلب القرارات كانت ترضيات شخصية وعائلية: أبناء وأقارب ومرافقون وأصهار، بعيدًا عن الكفاءة والخبرة.


هكذا أصبح الرئيس العليمي أسيرًا للضغوط، يستخدم القرارات كوسيلة لتجنب الصدام، لا كأداة لإصلاح الدولة. وقد أرسل بالفعل تقارير وشروحات للجهات الدولية يوضح فيها حجم هذه الضغوط عليه من قبل مراكز القوى التي تتنازع القرار اليمني.


ولولا موقف اللواء عيدروس الزُبيدي الحازم، لكانت المهزلة مستمرة. فقد بادر الزُبيدي بإصدار قرارات تصحيحية، قد لا تكون ضمن صلاحياته، لكنها هدفت إلى وقف العبث، وإعادة الأمور إلى مسارها القانوني. وبحسب المراقبين، فإن موقف الزُبيدي القوي أجبر الجميع على احترام مبدأ النظام، وأعاد الاعتبار للجانب القانوني في التعيينات والقرارات.


اليوم، يمكن القول إن رشاد العليمي نجح في البقاء، رغم أن أدوات القوة ليست بيده. يعتمد على المناورة السياسية والحنكة في إدارة التوازنات أكثر مما يعتمد على القوة. فهو رئيس بلا جيش، بلا قبيلة، بلا نفوذ اقتصادي، لكنه يدير مشهدًا بالغ التعقيد محاطًا بسبعة أعضاء لكل واحد منهم جيشه وحزبه ومناطقه.


نصيحتي أن نساعد هذا الرجل الذي يقاتل بلا عسكر، لأنه مهما كانت خلافاتنا معه، فإنه يظل رئيسًا يحاول أن يمنع الدولة من السقوط الكامل في فوضى المحاور والمليشيات.


فأن يكون لدينا رئيس بلا جيش، خيرٌ من أن يكون لدينا جيش بلا رئيس.