النتن ياهو ليس مجرد رئيس حكومة،بل هو تجسيد صارخ لأبشع صور الاحتلال الإسرائيلي وأكثرها وضوحًا.إنه الوجه الأقسى للمشروع الاستيطاني الذي لا يعيش إلا على دماء الأبرياء وأنقاض المدن المدمّرة،والصوت الأعلى لسياسة عدوانية لا ترى في الفلسطينيين سوى أهداف قابلة للقتل والإبادة.هو ليس سياسياً عاديًا،بل هو الوجه العاري للإحتلال الإسرائيلي،والصورة المكبّرة لوجه الاستعمار الحديث الذي لا يعرف إلا لغة القوة والدمار.الصوره الأكثر قسوةً ووضوحًا وافتقارًا للزيف الدبلوماسي الذي كان يُغلّف المشروع الصهيوني لعقودٍ طويلة.ووجوده في الحكم ليس استمرارًا لشخص بل امتدادٌ لنهجٍ كاملٍ ينبذ السلام،ويحتضن التصعيدويستخدم الحرب أداةً للضغط السياسي.
ولذلك لا يمكن اختزاله في كونه رئيسًا لحكومة فقط،فالرجل تجاوز حدود الدور السياسي ليصبح رمزًا أيديولوجيًا لمرحلةٍ كاملة من الإحتلال مرحلةٍ لم تعد ترى في السيطرة على الأرض هدفًا،بل في السيطرة على الوعي والذاكرة والوجود الفلسطيني ذاته.بل هو يجسّد ما يمكن تسميته بـ"عقيدة البقاء عبر الفوضى"؛فكل حربٍ يخوضها ليست دفاعًا عن إسرائيل،بل دفاعًا عن كرسيّه وعن منظومة سياسية تقوم على الخوف وتعيش على خطاب التهديد.فهو يدرك أن السلم يُعرّيه،وأن الهدوء يفتح أبواب المساءلة،لذلك يختار الحرب كخيارٍ دائمٍ لتأجيل سقوطه السياسي وفي كل مرة تتراجع شعبيته يشعل جبهةً جديدة ويعيد تعريف "الأمن"وفق معادلةٍ بسيطة:كلما سال الدم الفلسطيني ارتفعت أسهمه في الداخل.
ما يُميز النتن ياهو عن أسلافه ممن وصلوا إلى سد الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي هو أنه لم يعد يُخفي شيئًا فهو لا يتحدث عن "سلام"،ولا يجمّل الاحتلال بعباراتٍ سياسيةٍ منمقة.بل يعلن بوضوح أن الحرب وسيلته الوحيدة للبقاء،وأن الدولة التي يحكمها لا يمكن أن تتعايش دون عدوٍّ دائم. وبذلك يكون قد أسقط النتن ياهو آخر الأقنعة عن وجه المشروع الصهيوني،فجعله يبدو كما هو:مشروعٌ استعماريٌّ يعيش على إنتاج الألم،ويقيس وجوده بمدى الدمار الذي يخلفه وراءه وهو يدرك أن الغرب، مهما تظاهر بالحياد لن يتخلى عن دعمه له ما دام الإحتلال يخدم مصالحه الاستراتيجية حتى لو كان الثمن هو سحق أمةٍ كاملة.وبهذا المنطق،تحوّل الدم الفلسطيني إلى أداةٍ سياسيةٍ لتثبيت الحكم،وتحولت المأساة الإنسانية في غزة إلى مادةٍ انتخابيةٍ داخل إسرائيل.
أن ما جري ويجري في قطاع غزة خلال العامين الماضيين من قتلٍ وتدميرٍ واسع واستهدافٍ للمدنيين والبنى التحتية،لا يمكن فصله عن هذا النمط السياسي الذي يربط بقاء سلطة الإحتلال الإسرائيلي بمواصلة الحرب ففي المنظور الإسرائيلي الذي يمثله نتنياهو لا وجود حقيقي لـ"المدنيين" الفلسطينيين،إذ يُنظر إليهم باعتبارهم جزءًا من"بنية المقاومة"ما يبرّر وفق منطقهم استهداف الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس.وهذا هو جوهر الأزمة الأخلاقية التي يواجهها الإحتلال الإسرائيلي أمام العالم،إذ يقدَّم تلك الجرائم على أنها "عمليات دفاعية دقيقة"،في حين أنها في الحقيقة تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
وأخيراً العار لا يقف عند حدود الإحتلال الإسرائيلي الغاصب بل يتسع ليشمل المجتمع الدولي الذي يُفترض أن يكون حارسًا لقيم العدالة وحقوق الإنسان فيبدو عاجزًا أو متواطئًا في كثير من الأحيان.فالصمت أمام المجازر في غزة والاكتفاء ببيانات "القلق العميق يمنح الجلاد غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا للاستمرار في سياساته.لقد تحوّل ميزان العدالة في الخطاب الغربي إلى أداةٍ انتقائية؛فحين يُدافع الفلسطيني عن أرضه يُتهم بالإرهاب،بينما تُصوَّر آلة الحرب الإسرائيلية كدفاعٍ عن النفس.ولكن الحقيقة تبقى أن الإحتلال لا يزال قائمًا،وأن سياسات النتن ياهو تمثل التعبير الأوضح عن نظامٍ استعماريٍّ حديثٍ يعيش على القهر والدمار،ويُدار بعقلية القوة لا بعقلية السلام.