آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-05:46م

حكومات الفشل ترهن المستقبل للأمس !!

الخميس - 30 أكتوبر 2025 - الساعة 09:41 م
أ.د مهدي دبان

بقلم: أ.د مهدي دبان
- ارشيف الكاتب


في كل مرة تُعلن فيها حكومة جديدة عن برنامجها الإصلاحي، تتكرر اللازمة نفسها بملل مُتعمد: «ورثنا تركة ثقيلة». تُخرج من جيوبها أرقاماً مهترئة، وتُطلق العنان للمؤتمرات الصحفية المُظللة بالأمسيات الداكنة، لتُقنع الرأي العام أن ما يحدث اليوم ليس سوى انعكاس لعدة عقود من «الإهمال المتعمد» الذي مارسه الآخرون. ثم تنتهي المسرحية، ويُغلق الستار على وعود لم تُنجز، لتُعاد الكرة بعد سنوات مع حكومة جديدة تُقذف بالمُخلفات نفسها في وجه سابقتها، ويظل المواطن هو الكائن الوحيد الذي يدفع ثمن هذه اللعبة الدائرية من لحمه ووقته وأحلام أطفاله.


لكنّ السؤال الحقيقي: أليست هذه الحجة بمثابة اعترافٍ صريح بالعجز؟ حين تُصر الحكومة على أن عجزها مُوروث، فهي تُقر ضمنا بأنها لا تملك القدرة على تخطي الماضي ... الحضارات لا تُبنى بالبكاء على الأطلال، ولا بالتنصل من مسؤولية التغيير. حين أراد اليابانيون النهوض بعد القنبلتين الذريتين، لم يقولوا: «نحن ضحايا الحرب العالمية»، بل قالوا: «دعونا نصنع من الرماد أولى شرائح الإلكترونيات». وحين وجدت ألمانيا نفسها مُحطّمة بعد الحرب، لم تُعلن أن «التركة ثقيلة»، بل أطلقت ما يُعرف بـ«الاقتصاد الاجتماعي السوقي»، وتحولت خلال عقدين إلى قوة تصديرية تُنافس العالم. أمّا نحن، فما زلنا نُعيد إنتاج خطاب ان هناك دولة عميقة وان النظام السابق مازال يحكم سيطرته على مفاصل الدولة ..


إنّ التغيير لا يبدأ بإلقاء اللوم، بل بامتلاك الشجاعة على قول: «كفى». أن تقف الحكومة أمام شعبها وتعلن: «نعم، الورثة ثقيلة، لكننا اخترنا أن نحملها لا أن نُلقي بها على أكتاف من سبقونا». أن تُدرك أن المسؤولية قيد يُلزم صاحبه بأن يبني أو يُقال. التاريخ لا يُدون لمن يبرر عجزه، بل لمن يصنع من العجز نبراساً يُضيء درب من يأتي بعده.