آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-04:01م

الوطن ضحية سياسيه

الخميس - 30 أكتوبر 2025 - الساعة 07:07 ص
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


في الوقت الذي تُقدِّم فيه الدول المتقدمة برامج انتخابية واقعية تهدف إلى تحسين حياة المواطن وتطوير مؤسسات الدولة، يعيش اليمن مأساة سياسية عنوانها الأبرز «الوطن ضحية سياسييه».


في العالم، يتقدم المرشحون إلى صناديق الاقتراع حاملين رؤى إصلاحية واضحة، تتضمن تطوير البنى التحتية لمؤسسات التعليم والصحة، وتوسيع مظلة الرعاية الاجتماعية، وتوفير التأمين الصحي والسكن اللائق للفقراء والعاطلين عن العمل، بل وتخصيص إعانات مالية مؤقتة لمن فقدوا مصدر رزقهم، إلى أن تتاح لهم فرص عادلة للعيش الكريم. هناك، يُنظر إلى المنصب العام على أنه تكليف ومسؤولية وطنية، تُقاس بميزان الأداء، ويُحاسب السياسي على كل إخفاق وتقصير أمام ناخبيه، لأن الشعب هو مصدر القرار والسلطة.


أما في اليمن، فالصورة معكوسة. لا وجود لبرامج إصلاحية، ولا رؤية وطنية جامعة. يتم توزيع المناصب وفق معادلات الولاء والمحاصصة والانتماء الحزبي، في مشهد يختزل الدولة في غنيمة يتقاسمها المتنفذون. لا أحد يسأل: ما الذي سنقدمه للشعب؟ بل يُسأل: لمن ستُمنح الحقيبة؟ وكم ستكون الحصة؟


تحولت السلطة إلى سوق للمزايدات السياسية، يتاجر فيها القادة بمستقبل وطن جريح، ويتسترون خلف شعارات الوطنية والدين، فيما هم أول من يطعنون الوطن من الخلف. وبينما تتحدث شعوب العالم عن خطط عشرية لتطوير التعليم والاقتصاد، ما زالت القوى اليمنية تتنازع على الكراسي والمناصب، في مشهد يعكس غياب الوعي الوطني والمسؤولية السياسية.


سياسيونا لم يدركوا بعد أن الوطن ليس مزرعة تُورَّث، ولا خزينة تُنهب، بل كيان مقدس يجب أن يُصان بالعدل والشفافية والعمل الصادق. ومع كل يوم يمر دون إصلاح حقيقي، تتسع الفجوة بين الشعب ودولته، ويتحول الأمل إلى سراب، والحلم إلى حسرة.


الأدهى من ذلك أن المشهد السياسي اليوم يشهد محاولات لإعادة تدوير الوجوه القديمة التي كانت سببًا في خراب الدولة ونهب مقدراتها. بعضهم امتلك من الأموال والعقارات والاستثمارات ما يفوق ما تمتلكه الدولة في خزائنها، ومع ذلك ما زال يُقدَّم كقيادي مؤهل لقيادة المرحلة القادمة!

إنها مفارقة مؤلمة تعكس عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية التي يعيشها اليمن.


كثير من القيادات البرلمانية وشيوخ القبائل والقوى العسكرية النافذة لم تكتفِ بنهب المال العام، بل تمادت إلى الاتجار بالسلاح والآثار والنفائس التاريخية، حتى فقدت البلاد جزءًا كبيرًا من إرثها الحضاري. لم يتبقَّ للمواطن سوى جسده وروحه، أما ثرواته الوطنية فهي في مهب الريح، تُستخرج وتُهرَّب دون معرفة وجهتها أو قيمتها الحقيقية، في ظل غياب تام للرقابة والمساءلة.


وفي حين تتكدس أرصدة المتنفذين في الخارج، يواصل المواطن البسيط معاناته مع الجوع والمرض، غير قادر على شراء الدواء أو توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة.

لقد أصبح الوطن فعلاً ضحية سياسييه؛ ضحية الجشع، والفساد، والمصالح الضيقة، وانعدام الضمير الوطني.


ويبقى السؤال المؤلم:

متى يدرك الساسة أن الشعب ليس قطيعًا يُقاد، بل مصدر شرعية كل سلطة؟

ومتى يفيق الضمير الوطني قبل أن يفقد الوطن ما تبقى من كرامته وسيادته وإنسانيته؟