آخر تحديث :الإثنين-27 أكتوبر 2025-10:23م

تفكك الصف الداخلي للحوثيين ومسؤولية استثمار اللحظة

الإثنين - 27 أكتوبر 2025 - الساعة 05:41 م
د. مطيع الاصهب

بقلم: د. مطيع الاصهب
- ارشيف الكاتب


تمر جماعة الحوثي اليوم بأخطر مراحلها منذ نشأتها، فالجدار الداخلي الذي كان يبدو صلبًا ومتماسكًا بدأ يتآكل من الداخل، والتشققات التي حاولت القيادة إخفاءها لعقد من الزمن انفجرت دفعة واحدة، كاشفة حجم الصراع، والتناحر، والتنازع على النفوذ والمال والسلطة داخل جسد الجماعة التي بنت كيانها على الغدر والتسلط والتمايز السلالي.

ما يجري اليوم في صنعاء وصعدة من تصفيات وتبادل اتهامات واعتقالات داخل الصف الحوثي ليس سوى الوجه العلني لصراع مكتوم ظل يتخمر في أروقة الجماعة منذ سنوات.

فجناح (السلالة) الذي يحتكر القرار والموارد باسم (الحق الإلهي)، وجد نفسه في مواجهة جناح "المجاهدين الميدانيين" الذين ضحوا بالدماء واعتقدوا أنهم شركاء في الانتصارات والمكاسب، ليكتشفوا أنهم مجرد أدوات.

وما حادثة مقتل أو اعتقال بعض القيادات غير الهاشمية داخل الجماعة، وتبادل التهم بالفساد والخيانة، إلا دليل على أن الصراع خرج من طور التباين إلى طور الانفجار الذاتي.

الحوثيون بنوا سلطتهم على ثلاث ركائز مدمرة:

1. التمييز العنصري السلالي الذي جعل من فئة قليلة متحكمة في مصير ملايين اليمنيين.

2. اقتصاد الحرب والنهب المنظم الذي حول موارد البلاد إلى شركات وبيوت تجارية باسم الهيئة واللجنة.

3. القمع الممنهج الذي سحق المجتمع تحت ذريعة الولاية والهوية الإيمانية.

لكن التاريخ علمنا أن أي سلطة تنبني على الخوف والنهب والعقيدة المغلقة مصيرها التآكل من الداخل قبل أن يسقطها الخارج واليوم بدأت مؤشرات ذلك التآكل واضحة:

الولاءات تتبدد، والتذمر يتصاعد، والناس في مناطق سيطرتهم يعيشون حالة غليان مكتوم، ينتظرون فقط الشرارة.

لكن السؤال الشرارة قادمة فهل نحن مستعدون؟

اللحظة الراهنة استثنائيةوالانقسام الحوثي ليس خلافًا إداريًا، بل تصادم بين مشروعين داخل الجماعة نفسها:

مشروع إمامي متعجرف يسعى لتوريث اليمن كما تورث الإقطاعيات،

ومشروع براغماتي يحاول البقاء عبر المساومة على المبادئ والمصالح.

ووسط هذا الصراع، تقف القوى الوطنية والجمهورية أمام فرصة تاريخية لا تتكرر كثيرا:

فإما أن تلتقط اللحظة وتتحرك بذكاء واستراتيجية لملء الفراغ الذي يتشكل داخل جغرافيا الحوثيين،

وإما أن تتفرج كالعادة، حتى يعيد الحوثي ترتيب صفوفه ويستعيد أنفاسه.

لذالك على القوى الوطنية، من مأرب إلى تعز إلى الساحل الغربي، أن تدرك أن تفكك الحوثيين ليس نهاية الحرب بل بداية المعركة الحقيقية لاستعادة الدولة.والمعركة لم تعد فقط عسكرية، بل سياسية وفكرية واقتصادية وإعلامية.

الفرصة اليوم سانحة لتفكيك الأسطورة الحوثية في عقول الناس، وكشف حقيقة المشروع الذي خنق اليمن باسم الدين والولاية.

يجب أن تتوحد الخطابات والمواقف، وأن تتجاوز القوى الوطنية خلافاتها الهامشية، وأن تتحدث بلغة مشروع وطني جامع لا بلغة الفصائل والمناطق. وكل دقيقة تهدر في التنازع الداخلي هي هدية مجانية تمنح للحوثي ليستعيد أنفاسه.


لا عذر لكم بعد اليوم

من الخطأ القاتل أن يظن البعض أن تفكك الحوثيين وحده كاف لإسقاطهم.فالسقوط الحقيقي لا يحدث إلا عندما يوجد بديل وطني جاهز، منظم، موثوق، ومسنود شعبياً.

وذلك يتطلب قيادة مسؤولة تدرك معنى اللحظة التاريخية، لا قيادة تكتفي بالشعارات وتنتظر تدخل الآخرين. واليمن اليوم يقف على مفترق طرق:

إما أن يستعيد وجهه الجمهوري الحر،

أو يترك ليتقاسمه صراع العصابات والميليشيات إلى ما لا نهاية.


صحيح لقد بدأت التصدعات في جدار الحوثيين تتسع، والصرخة التي رفعوها ذات يوم أصبحت تصم آذانهم هم قبل غيرهم.وسقوطهم مسألة وقت، لكن الفرق بين “السقوط” و“التحرر” هو فيمن يستثمر اللحظة ويحولها من انهيار داخلي إلى انتصار وطني شامل.

فالتاريخ لا ينتظر المترددين.

ومن لا يقرأ اللحظة بعين البصيرة، سيقرأ غدًا أسماء المتخاذلين في هوامش الهزيمة، بينما تُكتب أسماء الأحرار في صدر النصر.