آخر تحديث :الإثنين-27 أكتوبر 2025-10:24م

الصين تتجه إلى تحقيق التوازن بين الصادرات والطلب المحلي

الإثنين - 27 أكتوبر 2025 - الساعة 02:13 م
د. يوسف سعيد احمد

بقلم: د. يوسف سعيد احمد
- ارشيف الكاتب


د. يوسف سعيد أحمد


خلال الربع الأول من الألفية الثالثة بنت الصين نهضتها الاقتصادية في ظل العولمة اعتمادًا على النمو المتسارع لقطاعها الصناعي القائم على التصدير، مما جعلها تحقق فوائض تجارية ضخمة مع الدول الغربية المتقدمة مجتمعة، لكن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة كان هو الأضخم خلال سنوات الربع الأول من الألفية الثالثة. حدث هذا على إثر تراجع الاقتصاد الحقيقي الأمريكي ونمو حجم القطاع المالي، وفي الوقت نفسه كان الاستهلاك الخاص في الصين ينمو بمعدلات متواضعة جدًا مقارنة بالنمو المتسارع للاستهلاك في الولايات المتحدة، في حين أن الصينيين يحجمون عن الاستهلاك، وبذلك كانت مطالبة الولايات المتحدة للصين بتعزيز طلبها المحلي لاستيعاب المزيد من الواردات على قدر كبير من الصحة.


اليوم، استراتيجية النمو المعتمدة على الصادرات في الصين استنفدت دورها بعد القفزات الاقتصادية التي تحققت، ولم تعد من أولويات العملاق الاقتصادي الصيني المستقبلية. فخطة التنمية الاقتصادية للأعوام 2026-2030، التي أقرتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والتي أنهت أعمالها الخميس الماضي 23 أكتوبر 2025، وضعت السياسات اللازمة لخلق التوازن الدقيق للاقتصاد الصيني، أي التوازن بين الصادرات والطلب المحلي، إذ تسعى الخطة إلى تغيير مصادر النمو من نمو يعتمد على القطاع الخارجي إلى نمو يقوم على الطلب المحلي عبر تشجيع الاستهلاك، بحيث يُؤمَل أن يلعب الاستهلاك المحلي الدور الرئيس في تركيب الناتج المحلي الإجمالي الصيني في المستقبل.


وبذلك يُخطَّط لخلق تحول جديد يكون فيه الطلب المحلي رافدًا للنمو الاقتصادي عوضًا عن القطاع الخارجي، يؤمّن للصين نموًا اقتصاديًا سنويًا متوازنًا ومستدامًا ومعقولًا أيضًا، بدلًا من النمو المرتفع الذي جلبته فوائض الميزان التجاري. لكن تغيير سلوك المستهلك الصيني ليس سهلًا بعد عقود اعتاد فيها المواطن الصيني على الادخار أكثر وتقليل الاستهلاك، ربما لعدم توفر قدر من اليقين بشأن المستقبل. ولأن تغيير هذا السلوك نحو الميل للاستهلاك بشكل أكبر وتقليل الادخار لا يمكن أن يتحقق عبر الأوامر الإدارية، فقد وضعت الخطة الاقتصادية الخمسية الأخيرة، وهي الخامسة عشرة للحكومة الصينية، الاتجاهات والحوافز التي يُؤمَل أن ترفع من حجم إنفاق المستهلك الصيني، وتراهن النخبة الصينية على تحقيق هذا الهدف بالأرقام.


كما وضعت الصين التكنولوجيا والابتكار في قلب خطتها الخمسية، وربطت قطاع التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، بالعملية التعليمية في المدارس والجامعات. وتتجه الصين عبر خطتها الاقتصادية حتى عام 2030 إلى الاعتماد الكامل على التكنولوجيا الدقيقة المنتجة محليًا، وقد قطعت شوطًا في هذا الاتجاه، لكن الطريق لن يكون أمامها سهلًا أيضًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بصناعة المكونات المادية للرقائق الإلكترونية الدقيقة الأكثر تقدمًا وبنفس مستوى وجودة رقائق السيليكون الهولندية والأمريكية. ومع ذلك، بيّنت الأبحاث التطبيقية والتقارير القليلة المنشورة في الفترة الأخيرة أن الصين نجحت في اعتماد الكربون بدلًا من السيليكون في صناعة الرقائق الدقيقة، وهذا يشكل اختراقًا علميًا كبيرًا. وعبر ذلك تخطط الصين لأن تصبح المساهم الأكبر في تطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي مع نهاية عام 2030.


في هذا السياق، وخوفًا من تقدم التنين في اقتحام قطاع التكنولوجيا المتقدمة بما يقوّض التنافس العالمي لصالحه، تسارع الولايات المتحدة الخطى، جنبًا إلى جنب مع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها كلما أمكن على الاقتصاد الصيني، بهدف قطع الطريق أمام الصين أو تقليل وإبطاء وتيرة نجاحاتها، عبر عقد اتفاقيات تكنولوجية وعلمية لتعزيز التكامل والإنتاج المشترك في مجالات علمية وتكنولوجية ذات أهمية كبيرة مع دول صديقة رائدة تكنولوجيًا في أوروبا، ومع دول في آسيا، والأخيرة مستفيدة من المشكلات القائمة بين الصين وجاراتها الناتجة عن خلافات ذات صلة بمشكلة الجزر في بحر الصين أو ما يرتبط بالخلافات الحدودية بين الصين وجارتها الهند.


وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الصين تمضي قدمًا إلى الأمام، وكل المؤشرات تدل على أن الصين أصبحت تتبوأ موقعًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا مرموقًا آخذًا بالتعاظم على المستوى العالمي، وتأسيسًا على ذلك فإن الصين تتربع المستقبل.