في مشهد يعكس هيبة القانون وسيادته، تناقلت وكالات الأنباء العالمية قبل أيام خبرًا مفاده أن القضاء الفرنسي أصدر حكمًا قضائيًا على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن، بتهمة تلقي تمويل غير مشروع من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لدعم حملته الانتخابية.
قد يرى البعض أن الخبر عادي، لكن في عمقه يحمل دلالات عميقة؛ فهو يبرهن أن العدالة في الدول الديمقراطية لا تستثني أحدًا، وأن الكرسي الرئاسي لا يمنح صاحبه حصانة مطلقة أمام سلطة القانون.
في المقابل، نجد أن الواقع في اليمن — وللأسف — يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا. فالمسؤول في بلادنا لا يُحاسب، بل يتحول منصبه إلى وسيلة للثراء والنفوذ والتسول السياسي. إذ أصبح من المألوف أن يعود بعض القيادات من زياراتهم الخارجية بحقائب مالية أو “مصاريف زيارة” تصل إلى ملايين الريالات أو الدولارات، وكأن الشحاذة أصبحت عرفًا رسميًا يمارَس من أعلى الهرم إلى أدناه.
فما بين “شيك الزيارة” و“هدايا الأعياد” و“زكاة المناسبات” يضيع مفهوم الكرامة الوطنية، ويتحول المنصب العام إلى وسيلة ابتزاز ووساطة.
إن المقارنة بين فرنسا واليمن تكشف الفارق الهائل بين دولة تُحاسب رئيسها إذا خالف القانون، ودولة يُعتبر فيها الرئيس فوق القانون، يبيع الأرض والسيادة ويقرر مصير الملايين دون مساءلة.
كيف يمكن لقضاء ضعيف أن يحاكم رئيسًا يعتبر نفسه مالك الأرض والشعب؟ وكيف ننتظر عدالة من منظومة قضائية مكبلة بالولاءات والضغوط السياسية؟
جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي تظل المثال الأبرز على غياب العدالة في اليمن. فبعد عقود من رحيله ما يزال الملف مغلقًا بإحكام، رغم أن كل أصابع الاتهام تشير إلى قيادات بارزة تولت لاحقًا مناصب عليا في الدولة. بل إن بعض من شاركوا في “البيعة على الدم” أصبحوا رؤساء ونوابًا ورموزًا للجمهورية.
في حين أن الشعوب الحرة تفتح ملفات الماضي مهما طال الزمن، نجد في اليمن من يدافع عن القتلة والفاسدين، لا حبًا فيهم بل طمعًا في فتات عطاياهم.
القضية ليست في ساركوزي وحده، بل في ثقافة المحاسبة. ففي فرنسا، يَمثُل الرئيس أمام المحكمة كأي مواطن، أما في اليمن، فالرئيس ومن حوله يملكون مفاتيح القضاء والنيابة والأمن والإعلام.
هكذا تتحول الدولة من منظومة قانون إلى مزرعة خاصة، ويتحول الشعب إلى حارسٍ طيّع للفساد.
إنها مأساة دولة لم تعرف بعد معنى العدالة، ولم تؤمن بأن الكرامة الوطنية تبدأ حين يُحاكم الكبير قبل الصغير.
وفي يومٍ ما، حين يصبح القانون سيد الموقف، سيتحقق الفارق الحقيقي بين وطنٍ يُقدّس الإنسان، وآخرٍ يقدّس اللصوص.