آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-01:35م

ماذا لو فُرض على الجنوبيين ما لا يطمحون إليه؟

الأربعاء - 22 أكتوبر 2025 - الساعة 11:43 ص
عبدالناصر صالح ثابت

بقلم: عبدالناصر صالح ثابت
- ارشيف الكاتب


م. عبدالناصر صالح ثابت

في خضم التحولات المتسارعة التي تعصف بالمشهد اليمني، يطفو على السطح سؤال يزداد ثقله مع كل تطور سياسي أو ميداني: ماذا لو فُرض على الجنوبيين مسار سياسي أو عسكري لا يعبّر عن تطلعاتهم الحقيقية؟

سؤال يبدو مفاجئًا، لكنه يحمل في أعماقه تاريخًا طويلًا من التحولات القسرية التي أعادت تشكيل هوية الجنوب مرارًا، حتى باتت إرادته في كثير من الأحيان رهينة للظروف والصفقات.

منذ منتصف القرن الماضي، عاش الجنوب سلسلة من التحولات الجذرية، انتقل خلالها من السلطنات والإمارات إلى اتحاد الجنوب العربي، ثم إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، فـجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وصولًا إلى الجمهورية اليمنية عقب الوحدة عام 1990.

لكن ما يجمع بين كل تلك المراحل أنها لم تكن دائمًا نتاج إرادة داخلية خالصة، بل جاءت في الغالب بفعل عوامل خارجية وضغوط سياسية واقتصادية، أو نتيجة صراعات دامية كما حدث بعد حرب 1994، التي تركت جرحًا عميقًا في الذاكرة الجنوبية وعمّقت شعور التهميش والإقصاء.

واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على الوحدة الفاشلة، يقف الجنوب مجددًا أمام مفترق طرق خطير، وسط مشهد سياسي معقد تتقاطع فيه الإرادات الإقليمية والدولية مع تطلعات الشارع الجنوبي، مما يُظهر بوضوح أن على الجنوبيين أن يكونوا على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات.

فالمصالح المتشابكة للقوى الدولية والإقليمية، والتناقضات بين المكونات المحلية، قد تفرض سيناريوهات مؤلمة، كما تظهر قراءة الأحداث منذ عام 2015 وحتى اليوم ملامح هذا التحول: من شراكة مفروضة مع الشرعية إلى تدهور الخدمات، وتعدد القوى العسكرية في الجنوب، وتصاعد النزعات المناطقية والجهوية التي يُراد منها تفكيك النسيج الجنوبي، كما يتجلى ذلك في بعض مناطق حضرموت.

وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، فإن كل تلك المؤشرات تنذر بأن المرحلة القادمة لن تكون سهلة، وأن على الجنوبيين التعامل مع التحديات بعقلانية ومرونة سياسية عالية، حتى لا يجدوا أنفسهم أمام واقع مفروض يكرّر مأساة الماضي.

صحيح أن القرارات المفروضة لا تصنع استقرارًا، وأن الجنوب الذي تغيّر مرارًا تحت ضغط الأحداث قد يرفض هذه المرة أن يكون تابعًا لمسار لم يختَرْه بنفسه. الجنوبيون اليوم لا يطلبون مكاسب عابرة أو مناصب مؤقتة، بل ضمانات حقيقية لحقهم في تقرير المصير واعترافًا بمعاناتهم التاريخية. وإذا تم تجاهل هذه الحقوق، فلن يكون ما يُسمّى بـ"السلام" سوى هدنة مؤقتة تنهار أمام أول اختبار حقيقي.

تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق الجنوبيين أنفسهم — وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي — لتوحيد الصف، وتجاوز الخلافات، والانفتاح على مختلف القوى الجنوبية دون إقصاء، وفتح قنوات الحوار مع الإقليم والعالم، لبناء منظومة مصالح متوازنة تُحصّن القضية الجنوبية من الاستغلال أو التهميش.

بالوعي السياسي ووحدة الموقف، يمكن للجنوب تحويل التحديات إلى فرص، ووضع خطط لكل سيناريو، والمضي بثقة نحو استعادة دولته وبناء سلام عادل ومستدام — سلام يُكتب بإرادة الشعب لا بإرادة الآخرين.

وفي حال الإخفاق في قراءة المتغيرات والتعامل مع المصالح المتشابكة بمسؤولية، والفشل في مواجهة المخاطر، فإن ذلك سيقود حتمًا إلى قبول واقع مرير أشد إيلامًا من الماضي.