في كل عام تتجدد الاحتفالات بذكرى الثورة أو الاستقلال، وترتفع الشعارات والأعلام وتصدح الأغاني الوطنية في كل مكان، لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح: هل يقتصر الاحتفاء على ترديد الشعارات وتذكير الأجيال بيوم انطلاق الثورة؟ أم أن المعنى الحقيقي للاحتفاء يكمن في ما تحقق من أهدافها، وفي ما أنجزته الدولة من مشاريع وتنمية ورفاهية للمواطن؟
العالم المتحضر لا يحتفي بالحدث لمجرد وقوعه، بل بما جرى بعده من تحول في حياة الناس، وبما أنجز من تطور اقتصادي، وتقدم علمي، ورقي في الخدمات، واستقرار سياسي يعزز مكانة المواطن ويضمن له كرامته. فذكرى الثورة في تلك الدول هي مناسبة لتقييم ما تحقق من إنجازات، ومراجعة ما لم يُنجز، ومحاسبة الذات في ضوء الأهداف التي انطلقت الثورة لتحقيقها.
أما في واقعنا، فإن الاحتفاء كثيراً ما يبقى محصوراً في المظاهر الاحتفالية دون أن يوازيها تقييم موضوعي للمنجزات أو مراجعة لمسار التنمية. وهنا يبرز التساؤل المهم: هل تؤمن قياداتنا أن كل أهداف الثورة قد تحققت؟ وهل يشعر المواطن فعلاً بأنه يعيش اليوم في ظل رخاء اقتصادي ووعي سياسي وتنمية شاملة تحقق له الأمن والاستقرار وتلبي احتياجاته الأساسية؟
إن الثورة لا تُقاس بخطب السياسيين ولا بألوان الأعلام، بل بمدى ما قدمته من فرص عمل، وما وفرته من خدمات تعليمية وصحية متطورة، وما أتاحته من مناخ استثماري حقيقي ينهض بالبلاد نحو مصاف الشعوب المتقدمة. الثورة الحقيقية هي التي تكرّس قيم العدالة والمواطنة المتساوية، وتضع الإنسان في مقدمة أولوياتها باعتباره الثروة الحقيقية لأي أمة.
فمن غير المنطقي أن نستمر في الاحتفاء بذكرى الاستقلال في ظل واقع تتراجع فيه مؤشرات التنمية، ويعاني فيه المواطن من شح الخدمات، وتآكل قيمة العملة، وتضاؤل فرص العيش الكريم. الاحتفاء بالثورة يجب أن يكون محطة لتجديد الالتزام بأهدافها الأولى، لا مناسبة لتزييف الواقع أو الهروب من مسؤولية التقييم والمحاسبة.
إن بناء الدولة الحديثة لا يتحقق إلا بالإيمان بقيمة الإنسان، وبأن التنمية ليست مشاريع إسمنتية فقط، بل منظومة متكاملة من التعليم والصحة والعمل والاستقرار السياسي والاقتصادي. حينها فقط يصبح للاحتفاء بالثورة معنى حقيقي، وحينها نستطيع أن نقول إننا أوفينا بعهود الأجداد، وحققنا أحلام الأجيال في غدٍ زاهر يحفظ كرامة الإنسان ويصون تطلعاته نحو المستقبل.