بعد مجموعة المقالات التي كتبتها عن القات وتحت عنوان (مُدمّر اليمن ومضيّع اليمنيين) أرسل إليّ أحد الاخوة الأكارم مقطع فيديو قصير وكان جزء من كلمة لصالح الصمّاد الرئيس السابق للمجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي، وقد أذهلني ما سمعته وهو يتحدث عن كثير من الأسلحة والذخائر التي يحصلون عليها من قوات الشرعية دون قتال من الجبهات ونجد أن القات هو حجر الزاوية في الموضوع،
فقال القات مقابل السلاح نعطيهم القات ويعطونا السلاح ثم نقتلهم بسلاحهم حسب تعبير الصمّاد وكان يقولها بكل سخرية واستهزاء،
وتكفينا هذه الكلمات لنتأكد كيف وصل بنا الحال وإلى أي مدى تفعل هذه الشجرة الخبيثة بمتعاطيها وهنا لا يصبح الضرر فردي بل ضررٌ على الشعب كله،
وهنا لا بد من الإشارة الى ما هو أشدُّ وأنكى فقد أخبرني الدكتور حميد زياد الأمين العام لمؤسسة (يمن بلا قات) أنّ قائداً عسكرياً كبيراً كان متبوئ منصب كبير وهنا لا أريد أن أذكر اسمه أخبره أنه توسّط ذات يوم بين أحد تجار القات وقيادة أحد المعسكرات بعد أن بلغت مديونيتهم لصاحب القات اثنان وعشرين مليار ريال يمني مبيعات سنة واحدة أو أقل،
وبالتالي أوقف التاجر تزويدهم باحتياجهم اليومي من القات طبعاً وليس احتياجاتهم الغذائية،
وفي الأخير توصّل معهم إلى اتفاق مُلزِم وحل وسط بأن تدفع قيادة المعسكر اثني عشر مليار ويتم تقسيط الباقي على دفعات شهرية، وبالتالي لا نستغرب كيف سقطت بعض المعسكرات طالما هذا هو الحال ولا نستغرب او نسخر من معلومة صالح الصمّاد التي ذكرتها سابقاً،
ومعلومة أخرى من مسؤول عسكري كبير مازال متربعاً على منصبه أن ما يُدفع شهرياً من الميزانية العسكرية للقات أكثر من أربعة مليار ريال يمني، فبالتالي خمسون مليار ريال سنوياً يتم اتلافها بين أفواه الجنود وتتحوّل إلى نفايات يتسخ بسببها المكان ويتلوث الجو نتيجة ما يصاحبها من تعاطي للدخان وما يلحق بالفرد واسرته من أمراض في قادم الأيام،
أيضاً أخبرني أن تقرير أحد الأشخاص ممن انتدبوا من جهة مالية لمراجعة ما يتم صرفه في احدى المعسكرات فقال في تقريره أن ما يتم صرفه على القات أكثر بكثير مما يتم صرفه على الأكل والشرب والذخائر والرواتب على مدار سنة كاملة.
وهناك معلومة صادمة يقول ناقلها أن من يُقتل من الجنود أثناء الذهاب لشراء القات من قبل قناصة المليشيات أكثر من عدد القتلى في المواجهات المباشرة،
وهنا يفترض أن نتوقف جميعاً أمام هذه المعلومات التي هي في غاية الخطورة والتي تجعل من المشهد العام ضبابي جداً لا تستطيع الرؤية لأقرب المسافات ناهيك عن رؤية وطنية بعيدة المدى لانتشال الوطن مما يعانيه،
فهل سنجد وقفة جادة من القيادة السياسية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي رئيساً وأعضاء والإدارة التنفيذية ممثلة برئيس مجلس الوزراء لإيقاف هذا العبث والاهدار المتعمد للمال العام والخاص الذي يصبُّ في أرصدة وخزائن تجار القات وهمُ الذين لم نرَ لهم أبسط الاسهامات في ابسط المشاريع التنموية للوطن والمواطن على أقل تقدير ككفارة لما تقترفه أياديهم في حق الوطن والمواطن،
فلو عدنا لكلام الصمّاد وتفحصناه بدقة وبنظرة عميقة وتمعنّا في أسباب الانتكاسات التي حصلت في معظم الجبهات لوجدنا أن القات أحد الأسباب الرئيسية في تلك الانتكاسات ووفق المعطيات التي قيلت، ومع إيماننا ويقيننا بالتضحيات الجسيمة التي يقدمها في الميدان الميامين الأشاوس بعرقهم ودمائهم وأرواحهم الغالية إلاّ أن بالإمكان أفضل مما كان لو وضعنا الانتصار على النفس الأمارة بالسوء أمام أعيننا لانتصرنا على شجرة القات الخبيثة وبعدها سيكون الانتصار الكبير لجيش الشرعية الوطني وسيكون استعادة العاصمة أمراً حتمياً،
وكل ذلك لن يتحقق حتى نقتنع جميعاً أن القات هو الكارثة الرئيسية والمدمّر الحقيقي لليمن ولمستقبله، وعلينا أن نستوعب في الأخير حجم الكارثة رقمياً من خلال بعض الأرقام الصادمة الصادرة من البنك الدولي أن المواطن اليمني ينفق يومياً 5 دولار على نبتة القات في الشهر 150دولار وسنوياً 1800
فاذا افترضنا عدد المخزنين عشرة مليون فقط فإنّ الانفاق السنوي على القات ثمانية عشر مليار دولار وهذا مبلغ كفيل بإعادة إعمار اليمن دون الحاجة لمساعدة الآخرين فهل ندرك حجم الكارثة؟