قالوها مراراً وتكراراً، وكرروها في مقابلاتهم وتصريحاتهم، لكننا لم نفهمها، ولم يخطر ببالنا أن يصل بهم الأمر إلى هذا الحد. منهم من قال: الموظفون في المناطق الشمالية لا يستلمون الرواتب وأنتم احمدوا الله أنكم تستلمون، وآخر أشار ببرود إلى أن من يبحث عن الراتب يروح عند أمه، نحن معنا قضية أهم من الراتب. بل زاد ثالثهم قائلاً: يجب أن تدرسوا جيزكم جيز المعلمين في صنعاء، وكبيرهم تشدق يوماً بعبارة موجعة: الرواتب ليست أولوية وعلى الجميع أن يتحلى بالعزيمة، أما الزعيم الاباصيري فمشغول بالفاصوليا ...
تلك كلها مؤشرات واضحة وصريحة، لكن الناس على نياتها، لم تستوعب الأمر، ولم تتصور أن الراتب قد يغدو مجرد ذكرى. كانوا يظنونها كلمات عابرة، وتصريحات وقتية، حتى صار ما صار، وأصبح الراتب في خبر كان. عندها فقط أدرك الناس الحقيقة المرة، لكن بعد فوات الأوان، فصارت أحلامهم معلقة كل صباح ومساء على عودة المرتب، بينما لا أحد يعيرهم اهتماماً أو يلتفت إلى معاناتهم.
أضحى الراتب الذي كان يوماً حقاً مكتسباً، حلماً بعيد المنال. بين كل بيت وآخر قصة وجع وصبر، وبين كل موظف وآخر تنهيدة تُخفي خلفها جداراً من المعاناة ...