آخر تحديث :الأحد-19 أكتوبر 2025-03:05ص

منظومة النهب الدولية (مؤسسة مسيحية صهيونية)

السبت - 27 سبتمبر 2025 - الساعة 04:50 م
احمد سالم فضل

بقلم: احمد سالم فضل
- ارشيف الكاتب


قراءة مخالفة للشائع في جذور تكوين وتوظيف مقولات "إسرائيل الكبرى"

يُنظر عادةً إلى المشروع الصهيوني بوصفه صناعة يهودية خالصة، غير أن التتبع الدقيق للجذور يكشف دوراً محورياً للمسيحية الصهيونية في نشأته. فالقس البريطاني ويليام هشلر (1845–1931) كان الشخصية الأبرز التي ألهمت ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، وقدّم له خريطة "الدولة التوراتية"، وأسهم مباشرة في بلورة فكرة المؤتمر الصهيوني الأول (بازل 1897). هذه العلاقة، الممتدة حتى وفاة هرتزل عام 1904م، تكشف أن المشروع لم يكن نتاجاً داخلياً لليهود وحدهم، بل حلقة في منظومة استعمارية كبرى وظّفت الدين لتثبيت نفوذها.

إنّ فهم هذا التكوين يساعد على إدراك طبيعة التناقضات الداخلية في الكيان الصهيوني: صراع الدين والدولة، والعلماني والتوراتي، بما يعكس هشاشة الشرعية التي يقوم عليها المشروع من أساسه. فالمسيحية الصهيونية في الغرب – خصوصاً في بريطانيا ثم في الولايات المتحدة – لم تكن مجرد حليف سياسي، بل كانت الركيزة العقائدية التي ضمنت استمرار المشروع حتى اللحظة، وربطت دعمه برؤية لاهوتية حول عودة "المسيح المخلِّص" المشروطة بعودة اليهود إلى "أرض الميعاد". ومن هنا جاء وعد بلفور (1917) باعتباره تتويجاً لهذا التحالف اللاهوتي – السياسي، قبل أن تنتقل رعاية المشروع بالكامل إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

أما مقولة "إسرائيل الكبرى" التي كثيراً ما تُستخدم لتبرير السياسات التوسعية أو لترهيب المجتمعات العربية، فهي في جوهرها تعبير لاهوتي أكثر منها خطة سياسية عملية. لكن خطورتها تكمن في حضورها المستمر داخل الوعي الجمعي الصهيوني، وفي خطاب القوى الغربية التي رعت المشروع منذ البداية، حيث تُوظَّف لتغذية المخاوف في المنطقة وتبرير سياسات الاحتلال والتوسع.

إنّ إعادة قراءة هذا المسار التاريخي لا تكشف فقط موقع الكيان الصهيوني في منظومة النهب الدولي، بل تفضح أيضاً جذور التناقضات التي تهدد تماسكه الداخلي، وتوضح أن الدعم الغربي للكيان لم يكن – ولا يزال – قائماً على المصالح السياسية فحسب، بل على أساس عقائدي استعماري يربط اللاهوت بالتوسع الإمبراطوري. فالمسألة لا تقتصر على حدود فلسطين أو المنطقة العربية، بل تتصل بشبكة أوسع من الشركات الاحتكارية والحروب بالوكالة والسيطرة على الموارد، وهي التي تشكل معاً ملامح "منظومة النهب الكونية".

وقد عرض هذه الرؤية عدد من الباحثين الغربيين والعرب، كان آخرهم الباحث اللبناني محمد نعمة فقيه في دراسته الصادرة هذا العام (2025، بيروت)، التي مثّلت إضافة نوعية في فضح الأبعاد اللاهوتية والسياسية معاً للمشروع الصهيوني، وتأكيد أن الكيان ما هو إلا أداة ضمن منظومة نهب كونية تقودها قوى استعمارية كبرى.