آخر تحديث :الخميس-18 سبتمبر 2025-03:43ص

كم لواء لدى رشاد العليمي؟

الأربعاء - 17 سبتمبر 2025 - الساعة 10:07 م
خليل العمري

بقلم: خليل العمري
- ارشيف الكاتب


في ذروة الحرب العالمية الثانية، حين أخبر تشرشل الزعيم السوفيتي ستالين بأن الفاتيكان أعلن موقفاً ضد هتلر، ابتسم الرجل ساخرًا وسأل: “وكم كتيبة عسكرية يملك البابا؟”. كان يرى العالم بعين المدفع والدبابة، وكأن الشرعية الروحية لا وزن لها أمام الحديد والنار.


لكن التاريخ أثبت عكس ذلك: كلمات البابا بقيت أرسخ من المدافع، وقوة الشرعية لا تُقاس بعدد الألوية، بل بقدرتها على إضفاء المعنى ومنح التوجيه للشعوب التي ترى فيها مصدر قوة روحية ومعنوية.


اليوم، وبعد ظهور بوادر تمرد في المجلس الرئاسي على الرئيس العليمي، يطل السؤال ذاته بصيغة أخرى: كم لواء عسكري لدى رشاد العليمي؟


الرجل الذي يجلس على كرسي الرئاسة منذ أبريل 2022 لا يملك سيطرة مباشرة على التشكيلات العسكرية التي يديرها أعضاء في مجلس القيادة. لكنه يحمل ما هو أثقل وأبقى: مفتاح الشرعية. تلك الشرعية التي لا تُنتقص ولا تُنتزع، ولا يمكن لأحد أن يسلبها بقرارات جانبية أو مغامرات شخصية.


العليمي، بصفته رئيس مجلس القيادة الرئاسي، هو ممثل الدولة اليمنية بكل ثقلها السياسي والاعتباري، في الداخل والخارج، في الأمم المتحدة، وفي الاتحاد الأوروبي، وفي كل عاصمة تعترف باليمن دولةً لا إمارات متناحرة، وبقائد لا أمراء حرب وبمجلس رئاسي للدوله لا مجالس قرويه في عدن وصنعاء.


الذين يقيسون مكانة الرئيس بعدد الألوية يتناسون الدرس ذاته الذي نسيه ستالين في لحظة سخريته: الشرعية تعلو فوق المدافع الثقيلة، والسياسة أوسع من الخنادق.. فسلطة العليمي ليست في صدى البنادق ولا في عدّ الكتائب، بل في كونه الممثل الأعلى للدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة بقرار المجتمع الدولي والإقليمي، وبتوافق سياسي وطني عريض.


ولعل المشهد يصبح أوضح حين نتذكر الرئيس عبد ربه منصور هادي. حين حاصره الحوثيون في منزله بصنعاء، تساءل كثيرون: ماذا يملك هادي؟ لم تكن لديه جيوش جرارة، لكنه امتلك الشرعية التي أبقت الدولة حية، وضمنت استمرار الاعتراف الدولي باليمن، وأبقت قضيتها حاضرة في كل محفل عالمي لليوم.


من يظن أن الشرعية ورقة فارغة يخطئ. الشرعية هي الإطار الذي يحدد من هو الدولة ومن هو الخارج عليها. هي التي تحول القائد السياسي من مجرد فرد إلى حامل لمصير بلد، هي التي تسقط الانقلابات مهما طال زمنها، وتعيد المشاريع الصغيرة إلى حجمها الطبيعي مهما تضخمت.


اليوم، يقف رشاد العليمي أمام تحديات جسام: خصوم بمشروعهم الكهنوتي المدمر، وحلفاء مفترضين يطاردون مشاريعهم الضيقة، وأعضاء في مجلس القيادة يقضون معظم وقتهم في عواصم الخارج، ثم يعودون بين الحين والآخر لالتقاط الصور وتدشين أنشطة شكلية توهم أن حضورهم متجذر في الداخل.


لكن الشرعية اليمنية لا يمكن تزويرها. هي قادرة على قول كلمتها في اللحظة المناسبة، وعلى فرض حضور الدولة حين يحين الوقت. ولعل ما يميز العليمي عن سلفه هادي أنه لا ينشغل بالمعارك الجانبية، بل يمضي برؤية أكثر وضوحًا، وبخطوات أكثر هدوءًا ويعمل اكثر مما يتحدث .


لذلك، لا تسألوا: كم لواء لدى رشاد العليمي؟.. بل اسألوا: كم عاصمة تفتح له أبوابها ممثلاً لليمن؟ كم محفل دولي يضع أمامه مقعد الشرعية اليمنية؟ كم مرة استطاعت الدولة التي يمثلها أن تبقى واقفة رغم محاولات التفكيك والتمزيق؟ كيف التف اليمنيون حوله في وسائل التواصل الاجتماعي حين حاول أحد الأعضاء إصدار قرارات تتجاوز صلاحيات رئيس مجلس القيادة؟.


يبقى صوت الشرعية هو الأرسخ والأبقى.. فالرئيس لا يحتاج إلى ألوية وجيوش جرارة.. لأن شرعيته هي آخر ما تبقى من مداميك الدولة وتماسكها، وأصلب ما يحفظ اليمن من الانهيار الكامل.