في خضم المشهد اليمني المعقد، تبرز قرارات الرئيس عيدروس الزُبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كعامل مثير للجدل في أوساط النخب السياسية والشعبية في الجنوب. فبين من يراها خطوات نحو تمكين الجنوبيين داخل مؤسسات الدولة، ومن يعتبرها انحرافًا عن مسار التحرر، تتعدد القراءات وتتشابك المواقف.
*قرارات باسم الجمهورية اليمنية: ازدواجية في التمثيل*
يرى منتقدو الزُبيدي أن قراراته الأخيرة، وإن صدرت من شخصية جنوبية، فإنها تصدر باسم نائب رئيس الجمهورية اليمنية، ما يجعلها – وفقًا لهم – فاقدة للشرعية الثورية التي تأسس عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. فبدلًا من أن تكون هذه القرارات أدوات لتفكيك منظومة الحكم المركزي، تحولت إلى أدوات لتثبيته، بحسب رأيهم.
ويذهب البعض إلى اعتبار أن هذه القرارات لا تخدم القضية الجنوبية، بل تُكرّس واقعًا سياسيًا يُعيد إنتاج المركزية، ويُضعف من زخم المشروع الجنوبي في استعادة الدولة، خاصة أن التعيينات الجديدة تشمل وكلاء ومسؤولين لا يُنظر إليهم كفاعلين حقيقيين في مسار التحرر، بل كعبء مالي وإداري على شعب الجنوب.
*عبء اقتصادي دون مردود سياسي*
من أبرز الانتقادات الموجهة لهذه القرارات أنها تُحمّل الجنوب أعباء مالية إضافية، من خلال رواتب ومخصصات ومنافع تُصرف من الدخل القومي، دون أن يقابلها تحسن ملموس في الخدمات أو في تمكين الجنوبيين من إدارة شؤونهم. ويخشى البعض أن تتحول هذه التعيينات إلى شبكة بيروقراطية تُعيد إنتاج الفساد، بدلًا من أن تكون رافعة للتنمية أو الاستقلال السياسي.
*الانتقالي بين التمثيل الرسمي والمهمة الثورية*
في المقابل، يرى مؤيدو الزُبيدي أن هذه القرارات تمثل محاولة ذكية لإعادة ترتيب البيت الجنوبي من الداخل، وفرض حضور سياسي داخل مؤسسات الدولة، بما يضمن تمثيلًا جنوبيًا فاعلًا في المرحلة الانتقالية. ويعتبرون أن الزُبيدي يسعى لتثبيت موقع الجنوب في المعادلة الوطنية، تمهيدًا لاستحقاقات قادمة قد تُفضي إلى حل سياسي شامل.
لكن هذا الطرح يصطدم بانتقادات حادة من داخل صفوف الانتقالي نفسه، حيث يتهمه البعض بتناسي المهمة الأساسية للمجلس، وهي إزالة حكم الجمهورية اليمنية من الجنوب، لا تثبيته عبر قرارات رسمية.
*إلى أين يتجه الجنوب؟*
في ظل هذا التباين، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تمثل قرارات الزُبيدي خطوة نحو تمكين الجنوب أم تراجعًا عن مشروعه التحرري؟
وهل يمكن للمجلس الانتقالي أن يجمع بين التمثيل الرسمي والمهمة الثورية دون أن يفقد بوصلته؟
الجنوب اليوم يقف على مفترق طرق، بين من يطالب بالتصعيد السياسي، ومن يراهن على التدرج في بناء المؤسسات.
وفي كلا الحالتين، تبقى القضية الجنوبية بحاجة إلى وضوح في الرؤية، وتماسك في القيادة، حتى لا تضيع بين الحسابات السياسية والمصالح الشخصية.