آخر تحديث :الأربعاء-17 سبتمبر 2025-11:00م

رحيل محمد مشعجل.. صوت المهره الذي خلدته الأغاني

الثلاثاء - 09 سبتمبر 2025 - الساعة 09:02 م
صالح مبارك الغرابي

بقلم: صالح مبارك الغرابي
- ارشيف الكاتب



رحل من أحببناه، ورحلت معه لحظات انسجامنا مع صوته وألحانه، وكأننا نُنتزع من ذاكرةٍ مليئة بالشجن والفرح. فإلى وقت قريب، بل وفي أوقات كثيرة، كنا نردد مع الفنان محمد مشعجل قصائده المغناة التي شكّلت محطةً فارقة في وجدان الناس، إذ لم تكن مجرد أغانٍ عابرة، بل رفيقًا للمهمومين، وبهجةً للعاشقين، ولسانًا للمغتربين الذين وجدوا فيها صدى لأحلامهم وحنينهم إلى الديار.


ارتباط الناس بأغاني مشعجل لم يكن عاديًا ولا محدودًا، بل وثيقًا ومتجذرًا. فقد استطاع أن يلبي بأعماله أذواقًا متعددة ومتباينة، جامعًا بين الفرح والشجن، وبين الحنين والأمل. ولذلك ستظل هذه الأعمال عالقة في أذهان الناس، عصية على النسيان، لأنها لم تقتصر على الترفيه، بل عبّرت عنهم وعن مشاعرهم العميقة.


ومهما صاغ الشعراء من بديع الكلام، أو ظهر فنانون يحملون الراية من بعده، فلن يستطيعوا تغطية حتى جزء يسير مما قدمه خلال سنواته القليلة بيننا. كانت أغانيه خلاصة صدقٍ فني ووفاءٍ للمهره وفنونها، حتى باتت أغانيه على كل لسان، تُذكر في المجالس وتُحكى في الأحاديث.


يكفي أن نستحضر بيته الشعري الذي صار الأكثر ترديدًا:


رحل من أحبه قد تركتني لحالي

ومن يوم غادر شديت الرحالي

سهير الليالي صورته في خيالي

وما فارقت عيني ملامح طيوفه


هذا المقطع وحده يكشف عمق ارتباط صوته بالكلمات، إذ يخيّل للسامع أن مشعجل هو قائلها، لما يسكبه من صدقٍ في طبقات صوته عند نطقه كلمة “رحل”. ومع كل مرة يرددها، نشعر وكأننا نشاركه الوجع ذاته، وجع الفقد والفراق، سهَر الليالي، وصورة الغائب التي لا تفارق الخيال.


لكن المفارقة المؤلمة، أن من غنى عن رحيل من يحب، أصبح اليوم هو الراحل الذي تركنا لحالنا. الفارق أن رحيل من أحب كان رحيلًا مؤقتًا، قابلًا للعودة، أما رحيله هو فقد كان أبديًا، بلا عودة، ليترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية وفي قلوب محبيه.


رحيل مشعجل لم يكن فقدان فنان فحسب، بل خسارة لرجل أخلص بصدقٍ استثنائي للمهره وفنونها، حتى باتت أغانيه مرآةً للهوية المهرية ورمزًا من رموزها الثقافية. سيظل اسمه حاضرًا في كل بيتٍ مهرّي، وفي كل ذاكرة عشقت صوته وأغانيه.


رحم الله محمد مشعجل، الفنان الذي حمل المهره في صوته ونشر أغانيها في كل مكان، وأسكنه فسيح جناته.


✍️ صالح مبارك الغرابي