في عدن، المدينة التي عُرفت دومًا ببوابة التحضر، وقفت أمام مشهد بسيط لكنه يحمل في طياته رسالة كبيرة. كنت في أحد مطاعم المدينة، حين اقترب رجل من صاحب المطعم ومد يده بورقة نقدية قائلاً برجاء واضح: “اصرف لي 100 ريال سعودي، أريد أن أتعشّى عندكم”.
لكن الرد جاء سريعًا وصريحًا: “لا نريد ريال سعودي.. أعطني ريال يمني”.
لم يكن الأمر مجرد رفض لعملة، بل تعبير عن تحوّل في الثقة. الريال السعودي الذي كان لعقود يُعامل كعملة مضمونة وأقوى من أي ورقة محلية، أصبح فجأة غير مرغوب فيه في بعض المعاملات. وفي المقابل، الريال اليمني الذي كان يُنظر إليه كعملة ضعيفة، استعاد مكانته لا بقوة شرائه، بل بفضل قدرته على التداول في السوق.
عدن، التي فتحت ذراعيها طويلًا لكل ما هو خارجي، تعيد اليوم تعريف أولوياتها. لم تعد “العملة الصعبة” معيار التعامل، بل أصبحت العملة القابلة للتداول هي الأساس. لم يعد السؤال: “كم تملك؟”، بل: “هل يمكنني استخدام ما تملك؟”.
هذا التحول لم يقتصر على عدن وحدها، بل امتد إلى محافظات أخرى. هو انعكاس لحالة عامة من إعادة التوازن وإعادة تعريف القيمة. الناس أدركوا أن المال لا يصنع الثقة، بل إن الثقة هي التي تمنح الورقة قيمتها الحقيقية.
في شوارع عدن اليوم، يُكتب فصل جديد من الاقتصاد الشعبي. فصول تقول: لا تغتر بما في يدك، بل بما يطلبه قلب السوق. فصول تهمس أن الزمن يتغير، والناس تتغير، والعملات كذلك.
وهكذا، من لحظة بسيطة في مطعم، تعلمنا أن القوة ليست في العملة نفسها، بل في مدى قبولها واحترامها داخل المجتمع.
هذا ما حدثكم به الإعلامي عادل عياش