ما نشاهده هذه الأيام في مدينة تعز يبعث على الصدمة والذهول بل إن الرأس ليشيب من هول ما تكشفه الأيام في أسواقها وفي مطاعمها وفي البوفيات وفي محلات اللحوم و الدوجن بل حتى في بعض المخابز والبقالات مشاهد تقشعر لها الأبدان أطعمة فاسدة لحوم مشبوهة أدوات إعداد طعام ملوثة وغياب شبه كامل للاشتراطات الصحية.
لكن السؤال الذي يتفجر من أفواه المواطنين أين كانت الرقابة والتفتيش قبل كل هذا؟ هل كانت أجهزة الرقابة في سبات عميق تنام في بيوتها بينما الناس يأكلون ما لا يصلح للاستهلاك البشري؟ أم أنها كانت تزور هذه الأماكن وتخرج محملة بما يرضيها من "المقابل" لتغض الطرف عن كل تلك المخالفات؟
الواقع يثبت أن هناك قصورًا بل وتواطؤا واضحا من قبل الجهات المسؤولة عن الرقابة سواء أكان في مكاتب الصناعة والتجارة أو في مكاتب الصحة أو في الهيئات المعنية بالسلامة الغذائية الرقابة ليست مجرد يافطة ترفع بل هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية وقانونية لكنها في تعز تحولت كما يعتقد المواطنون إلى "باب رزق" للبعض وما يثير الغضب أن هذه الجهات لا تتحرك إلا عندما تنفجر الفضيحة على مواقع التواصل الاجتماعي أو عندما ينشر ناشط مقطع فيديو يكشف الكارثة حينها فقط يتحركون متأبطين دفاترهم وأقلامهم وكاميراتهم ليقيموا استعراضا إعلاميا لا أكثر.
الضحايا في النهاية هم البسطاء من أبناء تعز أولئك الذين يقصدون المطاعم والبوفيات لشراء وجبة يسدون بها رمقهم فإذا بهم يشترون المرض بدل الطعام كم من طفل تسمم؟ وكم من أسرة عانت من آلام المعدة؟ وكم من مريض تدهورت حالته بسبب غياب أبسط قواعد النظافة؟ والمصيبة الكبرى أن هؤلاء المواطنون أنفسهم هم الذين يدفعون الضرائب والرسوم بينما الأجهزة المفترض أن تحمي صحتهم غارقة في الإهمال أو الفساد.
ليس غريبا أن يتساءل الناس هل كانت الرقابة نائمة في بيوتها طوال هذه السنوات؟ أم أنها كانت تقف على أبواب تلك المطاعم والبوفيات لتتراجع مع أصحابها أو تأخذ "مقابل سكوتها" وكأنها سلطة جباية لا جهاز ضبط؟! الحقيقة أن المشهد لا يوحي بالصدفة بل يدل على وجود "منهج" في التغاضي إذ كيف يمكن تفسير السماح لمطاعم ومحلات لا تملك الحد الأدنى من الاشتراطات الصحية أن تعمل لعقود دون أي رادع؟
لا يكفي أن تقوم لجان الرقابة بحملات متقطعة كلما ثارت ضجة المطلوب هو بناء منظومة رقابية حقيقية تبدأ من تدريب الكوادر وتوفير الأدوات ولا تنتهي إلا بفرض عقوبات صارمة على كل من يستهين بصحة المواطن ينبغي أن تكون الرقابة دورية ومفاجئة لا مواعيد معلنة مسبقا حتى يتهيأ المخالفون يجب أن تعلن نتائج الرقابة بشفافية للرأي العام وأن تغلق المحلات المخالفة فورًا لا أن تمنح مهلة جديدة لتكرار الجريمة.
ومهما حاولت الأجهزة الرسمية التملص من مسؤولياتها يبقى صوت المواطن هو الرقيب الأقوى حين يلتقط الناس صورًا للأطعمة الفاسدة أو ينشرون شهاداتهم عما شاهدوه فإنهم يقومون بواجب وطني لا يقل أهمية عن أي مسؤول الضغط الشعبي هو الوسيلة الوحيدة لإجبار تلك الأجهزة على القيام بواجبها.
تعز التي أنجبت الأحرار لا يليق بها أن تتحول إلى مرتع للفوضى الغذائية ولا يجوز أن تُترك صحة أهلها رهينة لفساد بعض الرقابيين ما يجري ليس مجرد إهمال عابر بل هو جريمة أخلاقية تستوجب المحاسبة إن إعادة الثقة تبدأ من مصارحة الناس بالحقيقة ومن إيقاف مهزلة "الرقابة مقابل المقابل" فصحة المواطن ليست سلعة للبيع وكرامة تعز لا تحتمل المزيد من المساومات.