آخر تحديث :الأربعاء-17 سبتمبر 2025-02:31ص

الإجراءات الاقتصادية وارتفاع سعر الريال المفاجئ

الإثنين - 01 سبتمبر 2025 - الساعة 04:54 م
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


في اليومين الماضيين شهدت البلاد تقلبات حادة ومفاجئة في سعر الريال اليمني إذ ارتفعت قيمته بشكل دراماتيكي خلال ساعات قليلة الأمر الذي أربك الأسواق وأدخل المواطنين في حالة من الذهول والشك لم يكن ما جرى نتيجة سياسة مدروسة أو إصلاح اقتصادي حقيقي بل بدا وكأنه سيناريو معد سلفاً أضرّ بالمغتربين وأسرهم وأرهق المواطنين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بغلاء مستمر وأسعار لا تنخفض.

وهنا يبرز السؤال الأكثر إيلاماً لماذا لم يقم البنك المركزي بدوره منذ اليوم الأول؟ لماذا لم يخرج بتعميم واضح وصريح يحذر المواطنين من أن ما يحدث ليس سوى مضاربة وتلاعب بالسوق؟ لماذا تُرك الناس وحدهم يواجهون الكارثة بينما كان بإمكان تعميم واحد في اليوم الأول أو الثاني أن يحمي آلاف الأسر من خسارة مدخراتهم؟ المؤسف أن البنك لم يتحرك إلا في اليوم الثالث عصراً أو مع غروب الشمس بعد أن كان قد وقع الفأس في الرأس وضاعت أموال المغتربين وابتلع السوق جهد سنين من الغربة والتعب أليس من صميم عمل البنك أن يحمي المواطنين لا أن يتركهم فريسة للمضاربين؟ أليس من واجبه أن يكون الدرع الأول في وجه العبث لا أن يظهر متأخراً وكأنه شاهد بلا حول ولا قوة؟

ما حدث لم يكن إصلاحاً اقتصادياً كما رُوِّج له بل فخاً منظماً جرى الإعداد له بعناية لنهب مدخرات المغتربين وأبناءهم وإرهاق الأسر التي تعيش على حد الكفاف لقد بدا المشهد مرتبكاً منذ اللحظة الأولى إذ صعدت قيمة الريال بشكل مفاجئ وسريع لا يمكن تفسيره بقوانين العرض والطلب ولا حتى بإجراءات واقعية يمكن أن تترك أثراً مستداماً على الاقتصاد المنهك كان كل شيء يوحي بأن هناك لعبة كبيرة تُدار في الخفاء وأن المواطن ليس سوى الضحية الدائمة في كل دورة من دورات العبث المالي.

الأسواق لم تعرف الاستقرار بل ازدادت ارتباكاً ارتفعت الأسعار بدل أن تنخفض وكأن التجار قد أقسموا أن لا يعكسوا التحسن الظاهري للعملة على حياة الناس فالمغترب الذي أرسل مدخراته ليعين أسرته صُدم بأن ما أرسله تبخر في غضون ساعات بعدما انخفض سعر الصرف بشكل مصطنع ليجد نفسه خاسراً في كل الاتجاهات أما من يتقاضى راتبه بالريال اليمني فلم يشعر بأي تحسن بل بالعكس وجد الغلاء يزداد والأدوية ترتفع ومصاريف المدارس تتضاعف وكأن كل نافذة أمل أُغلقت أمامه بإحكام.

الشارع بدا خالياً ليس لأن الناس اكتفوا أو وجدوا ما يسد رمقهم بل لأن الصمت الموجوع صار سيد الموقف الجميع يتحدث في داخله ولا يجرؤ على الجهر بما يعانيه إذ لا شيء يتغير مهما علت الأصوات البطالة ارتفعت الأعمال توقفت والآمال انكسرت. كل شيء يوحي بأن الإجراءات لم تكن سوى مصيدة كبرى رتبتها أيادٍ تعرف جيداً كيف تستغل معاناة الناس لتكديس الأرباح الطائلة خلال ساعات.

والمضحك المبكي أن الحكومة لا تملك سوى أن تطالب الناس بالصبر وكأن الصبر وحده قادر على أن يطعم الجائع أو يعالج المريض أو يكسو العاري يطالبون بالصبر وهم يعرفون أن الكلمة باتت مجرد شعار يُستخدم لتمرير الفشل وكأنها وصفة سحرية لحل كل الكوارث التي تتوالى لكن ماذا يفعل الصبر حين يتحول البيت إلى جحيم من الديون والدواء إلى حلم بعيد والمدرسة إلى عبء ثقيل؟ ما جدوى الصبر حين تُسلب حقوقك في وضح النهار وتُترك مكشوفاً أمام جشع لا ينتهي؟

لقد كشف هذا الارتفاع المفاجئ في سعر الريال أن الأمر ليس سوى عملية منظمة أشبه بسطو مالي واسع النطاق تُنهب فيه الجيوب من دون أن يُشهر السلاح كان الأمل أن تكون هناك إصلاحات حقيقية تعيد التوازن إلى السوق وتحمي العملة وتوفر للمواطن فرصة لالتقاط أنفاسه لكن ما جرى لم يكن إلا عملية تضليل كبرى أرهقت كل بيت وزادت الفقراء فقراً وأغرقت البسطاء في مزيد من المعاناة.

إن الشعب الذي صبر طويلاً لم يعد بحاجة إلى دروس جديدة في الصبر بل بحاجة إلى مسؤولين صادقين يواجهون الأزمة بواقعية ويضعون الحلول على أساس المصلحة العامة لا على مقاس شبكات الفساد أما الاستمرار في هذه الحلقة الجهنمية فلن ينتج إلا مزيداً من الجوع والمرض واليأس ولن يترك للناس سوى أن يواجهوا مصيرهم وحدهم بينما يظل المتحكمون في مصائرهم بعيدين عن أي حساب أو مساءلة.