منذ زيارتي السياحية إلى وطني اليمن، وتحديدًا إلى محافظة أبين، وقفت أمام مشاهد كثيرة لافتة للنظر، لكن أخطرها كان تحوّل بعض مناطق أبين، وبالأخص مديرية لودر، إلى محطة من محطات تهريب المخدرات باتجاه دول الخليج عامة، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص.
المعلومات التي جمعتها لم تأتِ من فراغ، بل من خلال جلسات مباشرة مع بعض العاملين في أقسام مكافحة الإرهاب، الذين آثروا عدم ذكر أسمائهم، لكنهم حمّلوني مسؤولية الحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة.
---
آلية التهريب
بمجرد أن تُكشف منطقة أو يُسلَّط عليها الضوء أمنيًا (كما حدث في المهرة والغيظة بحضرموت)، تنتقل شبكات التهريب إلى منطقة أخرى أقل مراقبة وكل ما كان الناس ينظرون الى هذا النوع من الغرباء بعين العطف والرحمة يتم استغلال هذا الشعور العام كمظلة لاخفاء هذه النوايا السيئة والخطيرة
اليوم، وجدت هذه الشبكات في أبين/لودر مسرحًا جديدًا لعملياتها.
العملية لا تستهدف اليمن كسوق رئيسية؛ فالمجتمع اليمني منشغل بالقات، ونسبة الإقبال على المخدرات محدودة جدًا. الهدف هو السعودية، باعتبارها سوقًا مربحة ذات عائد ضخم.
المنفذون في الميدان في معظمهم أفارقة من الصومال والحبشة، يعملون ضمن شبكات منظمة.
الآلية: توضع المخدرات في البحر عند نقاط محددة، بعلامات عائمة (بالونات)، ليأتي لاحقًا المهرب اليمني كصياد عادي فيلتقطها وينقلها إلى الداخل تمهيدًا لشحنها شمالًا.
---
الأرقام والوقائع الحديثة
في مارس 2024، أعلنت الأجهزة الأمنية اليمنية عن ضبط أكثر من 1.5 مليون حبة كبتاجون كانت في طريقها إلى السعودية، مخفية داخل شاحنة مبردة قادمة من صنعاء.
في محافظة المهرة، كشفت تقارير صحفية أن المهربين طوروا أساليب معقدة، عبر إخفاء المخدرات داخل شحنات غذائية وسيارات نقل، لإدخالها لاحقًا عبر منفذ الوديعة الحدودي.
تقارير أممية وصحفية أكدت أن الحوثيين متورطون في تسهيل تجارة المخدرات عبر صعدة والمنافذ الحدودية، بهدف تمويل حربهم.
خلال العامين الأخيرين، كثفت السعودية إعلاناتها عن ضبطيات ضخمة من الكبتاجون قادمة من اليمن، ما يؤكد أن اليمن تحولت إلى ممر رئيسي لهذه التجارة.
---
خطورة المشهد
ما يجري لا يهدد السعودية وحدها، بل يهدد اليمن أيضًا:
يحوّل السواحل والمناطق الداخلية إلى بؤر فوضى وممرات للجريمة المنظمة.
يضع اليمن في خانة "الدول المصدِّرة للخطر"، بينما اليمنيون أنفسهم لا يشكلون سوقًا رئيسية لهذه السموم.
يقضي على أي إمكانية لنهوض اقتصادي أو أمني في ظل تحوّل السواحل إلى مناطق نفوذ للشبكات
هذه الظاهرة تذكّرنا بحقيقة أساسية:
غياب الدولة هو المشكلة الأولى.
وجود دولة قوية ومؤسسات أمنية محترفة كفيل بقطع شريان هذه التجارة.
دول الخليج، والسعودية بالذات، هي المتضرر الأكبر، وبالتالي فإن مصلحتها تقتضي دعم قيام الدولة اليمنية، لا الاكتفاء بالحلول الأمنية المؤقتة.
اليمن اليوم، دون مؤسسات فاعلة، صار محطة مثالية لشبكات المخدرات، ولن ينكسر هذا الخطر إلا بعودة الدولة.