آخر تحديث :الأحد-19 أكتوبر 2025-03:08م

العدالة الانتقالية المنسية في اليمن

السبت - 30 أغسطس 2025 - الساعة 04:14 م
علي عبدالإله سلام

بقلم: علي عبدالإله سلام
- ارشيف الكاتب


بالتوازي مع فعالية (أسبوع العدالة الإنتقالية) التي يقيمها منتدى سلام اليمن و مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية في بلدٍ مثخنٍ بالجراح مثل اليمن، لا تقتصر آثار الحرب على صدى المدافع ولا على رائحة البارود، بل تتجسد أيضاً في وجوه المعتقلين ظلماً، وفي دموع الأمهات اللواتي لم يُكتب لهن أن يرين أبناءهن أحراراً. في السجون المظلمة، التي تفرقت مواقعها بين أطراف الصراع، يقبع المدنيون أسرى قراراتٍ لا تعرف الرحمة. هؤلاء ليسوا جنوداً في معركة، ولا أصحاب نفوذ، بل هم الضحايا الصامتون الذين تحولت حياتهم إلى رهينة حرب لا تعترف ببراءة ولا بإنسانية.

المجتمع الدولي، الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان، مارس ضغوطه مراراً، لكنه ظل عاجزاً عن كسر عناد الأطراف المتحاربة. تلك الأطراف التي رأت في السلاح سلّمها للسلطة، ولم تُعر اهتماماً لنداءات اليمنيين الذين أرهقتهم الحرب وأحلامهم الصغيرة بالسلام. فما تزال البنادق أعلى صوتاً من صرخات الأطفال، وما يزال العناد السياسي أثقل من شوق الناس إلى عودة الحياة.

في خضمّ ذلك كله، لم تتساوَ المعاناة. فبينما جنى قادة الحرب ثرواتٍ من اقتصاد العنف، واستفادوا من تجارة الحصار والدمار، ظل الشعب اليمني مجرد ظلّ يتآكل في طوابير الجوع، ومجرد حلمٍ مؤجل في شوارع مدنه المهدّمة. لم يعرف اليمنيون من الحرب سوى التهميش والفقدان، بينما تحولت طموحاتهم إلى رماد، في حين تباهى المتنفذون بامتيازاتٍ اقتنصوها من نزيف بلدٍ بأكمله.

هنا، يبرز السؤال الحاسم: كيف يمكن للعدالة الانتقالية أن تكون الجسر بين الخراب والنهضة؟

العدالة الانتقالية ليست مجرّد شعار، بل عملية مركّبة تحتاج إلى إرادة وطنية صادقة ودعم دولي حيادي. في اليمن. ولتنفيذ عدالة إنتقالية فإن السير ضمن آجراءات رئيسية هي:

1. كشف الحقيقة: فتح ملفات المعتقلين والمختفين قسراً، وتوثيق الشهادات الحية، ليعرف الشعب من كان الضحية ومن كان الجلاد.

2. المحاسبة: محاكمات عادلة وشفافة لقادة الانتهاكات، بعيداً عن الانتقام، وبما يحفظ كرامة الضحايا ويؤسس لثقافة قانونية.

3. جبر الضرر: تعويض المتضررين مادياً ومعنوياً، ورد الاعتبار لضحايا السجون والاغتيالات والنزوح.

4. إصلاح المؤسسات: إعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية لتكون في خدمة المواطن لا في خدمة السلاح.

5. المصالحة الوطنية: صياغة عقد اجتماعي جديد، يمنح لكل يمني الحق في الشعور بأنه شريك في هذا الوطن، لا رهينة صراعاته.

بإعتقادي .. تطبيق القانون هو أكبر إنتقام لضحايا الحرب، لإن العدالة الانتقالية في اليمن ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية. فهي السبيل الوحيد ليخرج اليمن من دوامة الانتقام إلى فضاء المواطنة، ومن قسوة السجون إلى كرامة الحياة. اليمنيون يستحقون أكثر من مجرد هدنةٍ عابرة، إنهم يستحقون سلاماً عادلاً يردّ لهم أوطانهم، ويعيد إليهم أحلامهم التي سرقها ضجيج الحرب.